لَوْ كُنتُ قد شاهَدتُ محتوى فيلم the words قَبلَ أن أعرِفَ عنوانه، ثُمّ طُلِبَ منّي أن أجعَلَ له عنواناً، لَمَا وَجدتُ أفضَل من (لِأَنّهُ ماذا ينتَفِعُ الإنسان لَوْ رَبِحَ العَالَم و خَسِرَ نفسه).
إنّ فيلمthe words يَنتَصِرُ لفكرة أنّ الإنسان هو أهمّ الموجودات، و أنّ الإبداع الفَنِّي أو الكتابة الرّوائيّة حتّى أكون أكثرَ تحديداً، هي وليدة المعاناة ، وليدة التّجربة الشّعوريّة العميقة، يقول (هيغل)(لَم يتمّ أبداً تحقيق شيءٍ عظيم في هذا العالم دون عاطفة). لا شكّ أنّ هناك كثيرين لا يوافقون ع ...
لَوْ كُنتُ قد شاهَدتُ محتوى فيلم the words قَبلَ أن أعرِفَ عنوانه، ثُمّ طُلِبَ منّي أن أجعَلَ له عنواناً، لَمَا وَجدتُ أفضَل من (لِأَنّهُ ماذا ينتَفِعُ الإنسان لَوْ رَبِحَ العَالَم و خَسِرَ نفسه).
إنّ فيلمthe words يَنتَصِرُ لفكرة أنّ الإنسان هو أهمّ الموجودات، و أنّ الإبداع الفَنِّي أو الكتابة الرّوائيّة حتّى أكون أكثرَ تحديداً، هي وليدة المعاناة ، وليدة التّجربة الشّعوريّة العميقة، يقول (هيغل)(لَم يتمّ أبداً تحقيق شيءٍ عظيم في هذا العالم دون عاطفة). لا شكّ أنّ هناك كثيرين لا يوافقون على هذا الكلام، من بينهم أستاذي و معلّمي (محمود أمين العالم)، الّذي يرى في كتابه النّقديّ العُمدَة الّذي يحمل عنوان (أربعون عاماً من النّقد التّطبيقي)(إنّنا لا نصبح شعراء و كتّاباً بالتّحديق في البحر و السّماء، و إنّما بقراءة نصوص أدبيّة كثيرة). كما أنّني سمعت كلاماً للدكتور و الرّوائي (يوسف زيدان) يحوي كثيراً من الإستهجان في حقّ مَن يُقبِلون على الكتابة الرّوائيّة و هم لا يزالون في سنّ الشباب، طبعاً هذا الكلام يمكن الردّ عليه بحجج واقعيّة دامغة(سعود السّنعوسي حاز البوكر بروايته البديعة ساق البامبو وهو ابن 32 عاماً، و طارق بكّاري البالغ من العمر 28 عاما بلغت روايته نوميديا القائمة القصيرة للبوكر لهذه السّنة و..........). أمّا أنا فأمسك العصا من الوسط (لا مستحيل إذا كانت الموهبة كبيرة، و لا مستحيل مع الهمّة العالية).
يتكلّم الفيلم عن الكاتب الشاب (rory johnson)الذي يظهر محدود الموهبة في البداية، والّذي يقوم بدوره(BRADLEY COOPER)، هذا الكاتب العاشق لمدينته نيويورك و لحبيبته (DORA) التي ستصبح زوجته فيما بعد، و لكنّ هوى الكتابة يفوق حُبَّه لمدينته و حبيبتهِ مجتمعتين، فهو واقع تحت تأثير ندائها و كأنّها النّدّاهة، إنّه يصبو لتحقيق الحُلم الّذي يسعى كلّ كاتب إلى تحقيقه كما تقول الشاعرة و الرّوائيّة المغربيّة (فاتحة مرشد) إنّه يريد أن يكتب رواية ناجحة. لأجلِ تحقيقِ هدفه قرّر أن يتوقّف عن العمل سنتَين، فكان يقضي سحابةَ نهاره متجوّلاً حتّى إذا جَنَّ عليه و على نيويورك و أهلها اللّيل و هَجَعَ السّامر، قام يكتب، و لكن دون أن يحقّق أيّ نتيجة تُذكَر، فلم تقبل أيّ دار نشر طبع عمله، و على الرّغم من ذلك أبى أن يُلقيَ سلاحه و أن يستسلم راضِخاً لحقيقة أنّه لم يُخلق للكتابة، رَغم ضغط والده المُحِبّ والمشفِق عليه الّذي يُنفِقُ عليه، والّذي لم يَجِد بُدّاً أن يقول له يوماً، في إشارةٍ إلى محدوديّة موهبته(أن تكون رَجُلاً يعني أيضاً، أن تعرف حَجم قدراتك، مهما كان الألم الّذي سيتولّد عن ذلك).
يتزوّج من حبيبته (dora)، و يسافران إلى باريس لقضاء شهر العسل، فتشتري له محفظةً جلديّةً من دكّانٍ باريسيٍّ يبيع أشياءَ قديمَة، و عندما يعودان إلى نيويورك، و في إحدى الصّباحات يهمّ بوضع أوراقه في هذه المحفظة، فيقع على مخطوطة لرواية، فيصعقه جمالها كما تصعقه حقيقة أنّه لا زال ينقصه الكثير ليكون روائيّاً. في غياب كاتب المخطوطة، يقرّر صاحبنا انتحالها و نسبتها إليه، و هذه هي جريمته الكبرى، لقد أخطأ مَن قال( في الحبّ و الحرب كلّ شيءٍ مباح)، لأنّ ما يجعلنا نحن البشر بشراً هو بُعدُنَا الأخلاقيّ، و آيةُ ذلك أنّنا نضحّي في أكثر من موقف ببعدنا الماديّ لصالح كيانات إعتباريّة، كالحريّة، الكرامة، المساواة، الواجب.....إلخ، لأنّه لا معنى لوجودنا في ظلّ غياب هذه القيم السّامقة، و لعلّ أكثر الأفلام المؤيّدة والمنافِحَة عن وجهة نظري، فيلم WE WERE SOLDIERS بطولة (MEL GIBSON) فَلَمْ يمنع العقيد الأمريكي فقده لكلّ أفراد فرقته، مِن أن يحرص على إرسال دفتر مذكّرات الضابط الفييتنامي إلى زوجته، و أيضاً في فيلم BRIDGE OF SPIES بطولةTOM HANKS، نجد أنّ المحامي قد دافع عن الجاسوس الّذي كان يعمل لصالح الإتّحاد السّوفييتّي بكلّ حِرَفِيَّة و الحرب الباردة في أوجّها. و هذا ما يجعلنا نشعر بالعار عندما ننظر إلى واقع ساحتنا الأدبيّة العَرَبِيَّة، فكلّ أديب ينفي الموهبة عمّن سواه، و الأمثلة الّتي يمكن أن أُدَلّلُ بها على كلامي كثيرة(إعتراض الطّاهر وطّار العنيف الّذي كاد يصل إلى دَرَجة القتل على فوز الشاعر عمر أزراج بإحدى الجوائز الأدبية، و أيضاً ما صنعه مع الشاعرة الشابّة الموهوبة حنين عمر، عندما قال لها شعرك ضعيف، خيرٌ لكِ أن تَبحَثِي عن رجلٍ و تتزوّجيه و تكوّني أُسرَة)، و للكاتب الكبير الرّاحل الطّاهر وطّار أشباه و لأشباهِهِ أشباه، مِمَّن يصرُخُ لسانُ حالِهِم قائلاً(إِحنَا العالَم و الباقِي هِسْهِسْ).
نعود إلى فيلمTHE WORDS، يحقّق الكاتب الشّاب نجاحاً باهراً و شُهرَةً واسعةً، إثرَ نشرِه الرّواية، و لكن و هو يعيش أعلى درجات النّشوة الّتي تمنحها الشهرة، يظهر في حياته صاحب المخطوطة، و هو شَيخٌ مَنكُود، قد أَمعَنَت الحياة في التّنكيل به، ولم يكتب سوى هذه الرّواية إثرَ فقده لاِبنته و هي لا تزال رضيعة، فكانت هذه الرّواية نتاج ما تفصّد عن ذلك من معاناةٍ نفسيّةٍ كبيرة عاشها هو و زوجته، الّتي أوشكت أن تنفصلَ عنه جرّاء هذه الواقعة الأليمة،عندما كان يعيش في باريس بعد الحرب العالميّة الثانية التي شارك فيها بصفتِهِ جُندِيّاً أمريكيّاً، فنسيت زوجته الفرنسية الرّواية الّتي كتبها في إحدى القطارات، فكان هذا الحادث بمثابة القَشَّة التي قصمت ظهرَ البعير، ذلك أنّه أدّى إلى انفصالهما، و يُعَلِّق الشيخ التّعس على ذلك مخاطباً الكاتب الشّاب(لقد كان خَطئِي أنّني آثَرتُ كلماتٍ حمقاء، على المرأة الّتي ألهمتني كتابة هذه الكلمات). و هنا شاهدٌ على أنّ الفنون و الآداب وُجِدَت لِخِدمَة الإنسان و ليسَ العَكس.
يُمعِنُ الشّيخ في تقريع الكاتب الشّاب، و يُمعِنُ هذا الأخير في استرضاء الشيخ محاوِلاً التكفيرَ عن ذَنبِه بكلّ الطّرق الممكنة، حتّى أنّه أبلغَ الشّيخ أنّه سيعيد إليه اعتباره بأن يُخبِرَ النّاس عن الكاتب الحقيقي للرّواية،و لكنّ الشيخ مُصِرٌّ على عدم قبول التّوبة(لَقد أخَذتَ كلماتِي، فخُذ معها الألَمَ أيضاً). و هذا ملمَحٌ نجدهُ عند كثير من التّعساء، فهم يجدون في الإنتقامِ لذّةً لا تُضاهيها أيّةُ لذَّة أخرى، فليس يُرضِيهم أن يكونوا سعداء بقدر ما يُرضيهم الإنتقام من العالَم و منَ النّاس حتّى و لو لم يكونوا هم سبب شقائهم.
يموت الشّيخ وحيداً، و يُودَعُ قبرَه، فيأتي الشّاب ويلقي بالمخطوطة التي كتبها الشيخ فوق التابوت، لتُدفَنَ معه، لكنّ تأنيب الضّمير لم يَمُت بمَوتِ الشّيخ، فوجه الشاب بعد بِضعِ سنِين سيكسوه قناع يفضَحُ اضطِرَابَهُ النّفسيّ، بالرَّغم من أنّ تجربته مع الشّيخ قد جعلت منه روائيّاً فذّاً، فقد حاك منها روايةً رائعةً، أسماهاTHE WORDS، و عندما يَقِفُ ليقرأ فصولاً منها أمام الجمهور، يحاول القضاء على عقدة النّقص الموجودة بداخله، بأن يقول(the words بقَلَمِي أنا)، لِيَضحَكَ الجمهور لِقَولِه الغريب غير مُدرِكٍ سَبَبَه.
بعدَ إنهاءِ حَفلِ توقيعِه روايته الجديدة، يصطحب معه إلى بيته صحفيّةً شابّة، فتهمُّ به و يهمُّ بها، لولا أنّه تذكّر زوجته التي انفصل عنها و الّتي كان يحبّها كثيراً، فيمتنع عن مُواقَعَة الصّحَفِيّة، و تلوح في عينَيْه سيماءُ الجُنُون. لِأَنّهُ ماذا ينتَفِعُ الإنسان لَوْ رَبِحَ العَالَم و خَسِرَ نفسه.
أظهر الكل ..الأستاذ عبد الجواد سيّد أديباً
***************************
مِن بين قراءاتي الأدبيّة غير القليلة، الّتي تحوي بين دفّتَيْها ألوانَ َطيفِِ، تبدأ من الخاطرة وصولاً إلى الرّواية، فإنّ نصّ شواطئ الستّينيات، مقتطف من السيرة الذّاتيّة، للأستاذ الكبير عبد الجواد سيّد، المنشور على موقع الحوار المتمدّن، قد َطبَعَني بِمَيسِمِه، على الرّغم من أنّ مزاجي الأدبيّ، يميل بِرُجوحٍ لا لبسَ فيه، إلى النصوص الأدبيّة ذات اللّغة الشعريّة الثرّة، إلّا أنّ نصّ الأستاذ عبد الجواد سيّد، جعلني أعيش لحظاتٍ منَ ...
الأستاذ عبد الجواد سيّد أديباً
***************************
مِن بين قراءاتي الأدبيّة غير القليلة، الّتي تحوي بين دفّتَيْها ألوانَ َطيفِِ، تبدأ من الخاطرة وصولاً إلى الرّواية، فإنّ نصّ شواطئ الستّينيات، مقتطف من السيرة الذّاتيّة، للأستاذ الكبير عبد الجواد سيّد، المنشور على موقع الحوار المتمدّن، قد َطبَعَني بِمَيسِمِه، على الرّغم من أنّ مزاجي الأدبيّ، يميل بِرُجوحٍ لا لبسَ فيه، إلى النصوص الأدبيّة ذات اللّغة الشعريّة الثرّة، إلّا أنّ نصّ الأستاذ عبد الجواد سيّد، جعلني أعيش لحظاتٍ منَ النّشوةِ الفريدة، والوَجْد العالي، رَغمَ توفُّرِه على نصيبٍ مُحتَشِمٍ من شاعريّة اللّغة.
لقد قرأتُ نصّ أستاذنا المشار إليه، مرّاتٍ ومرّات، لأستشفَّ سرَّ تأثيره فيّ، فوصَلتُ بعد طول نظَرٍ، إلى أنّ الوصفة السّحريّة، التي اعتمدها في صياغة نصّه، والّتي اِستَعَاضَ بها عن شاعريّة اللغة، تتمَثَّلُ في شاعريّة الوصف، ورَوعِةِ الحَكْي، لقد أطلق أستاذنا الحَبْل على الغارِب للطفلِ الحالِم بداخلِه، فما كان من عبد الجواد سيّد، الكَهل إلّا أن دَوَّنَ ما أملاه عليه وَحيُ الطفولة.
كانت تأتيني وأنا أتَمطَّقُ حروفَ ومعاني نصَّ السيرة الذّاتيّة هذا، فتنةُ الإسكندريّة، محمولَةً على صوتِ المبدع محمد الحلو، وهو يغنّي جينيريك مسلسل زيزينيا، من كلمات الشاعر المصري الأصيل أحمد فؤاد نجم، وهو يقول إسكندراني عاِشق أغاني جيعان يِغَنِّي، شبعان يِغَنِّي، زيزينيا، إسكندريّة النّصف الأوّل للقرن العشرين، التاريخ، أسامة أنور عكاشة، ذكّرني بكلّ هذا، حتّى وإن كان يتحدّث عن إسكندريّة الستّينيات.
جعلني أرى الإسكندريّة بِعَينِ الحاوي، مدينة تسكن هوى أبنائها وعاشقيها، مدينةٌ يحملها أبناؤها بداخلهم ذكرياتٍ وحنيناً، لا تسرقهما السّنون مهما طالت، والمسافات مهما بَعُدَت.
هذا هو العهد بالأستاذ عبد الجواد، فهو يمنحني دائماً الشعور، أنّه يقيس كلماته، وجمله بالمسطرة، وهذا دليلٌ على أنّ سرّ الإبداع، لا يكمن في طول النصّ، أو في تراكم النصوص، وإنّما في نوعيّتها.
لم أجد عملاً أدبيّاً أَقِيسُ عليه التُّحفَةَ الفنيّة المسمّاة شواطئ الستّينات، سوى رائعة بيدرو بارامو، للأديب المكسيكيّ الطليعيّ، مُلهِم خوسيه أيولا، وجابرييل غارسيا ماركيز، والأب الروحي للواقعيّة السحريّة خوان رولفو، الّذي دفعه لكتابتها زيارته لقريته بعد طول غياب، فما أحكَمَ جملة محمّد البساطي لو لم أخرج منَ القرية لَمَا كَتَبتُ عنها.
رواية بيدرو بارامو، حين تُحدّث دونيا إيدوفيخيس، خوان بيرثيادو، عن ميغيل بارامو، قاتل أخ الأب رينتيرا، وعن عودَةِ حصانه بعد مصرعه، فتسمع صهيلَهُ أثناء حديثه، فيجيبها خوان بيرثيادو "لا أفهم ما تقولين! بل حتّى أنّي لم أسمَع جَلَبَةَ أيّ حصان! لكنّني أنا وليد الأسطل، قد سمعت جيّداً أمواج شاطئ الإسكندريّة، وسبحتُ مع شبابها المغامرين، وجلستُ آكل السمك الذي طهَتهُ أمّ بسيوني".
إذا كانت رواية بيدرو بارامو، تنتمي إلى الواقعية السحريّة، فإنّ شواطئ الستينات، تنتمي إلى سحر الذكريات. إنّه لدليل على تدنّي الذّوق، عندما يضرِب المنتسبون إلى الثقافة صَفحاً عن قراءة مثل هذه النّصوص، لكن لا بأس، فالتاريخ حافلٌ بروائع دُفِنَت تحت رُكامِ الإهمال، ثمّ ثأرت الأجيال القادمة لها ولأصحابها، كما أشرتُ إلى هذا في قصيدتي إدراكٌ مُتأَخِّر. أعمال بيتهوفن، العظيم، قبّة فلك الموسيقى، لم يُلتفت إليها ولا إلى صاحبها، الذي اتُّهِمَ بالجنون، والذي لم يجد أحداً يشهدُ له بفضله، إلّا صديقه هومل، في دقائق حياته الأخيرة، على سرير أهلِ بيتٍ آووه شفقةً بحاله "أَلَمْ أَكُن عظيماً في حياتي يا هومل؟"، "بلى لقد كُنتَ عظيماً يا سيّدي".
لم أُورِد جُملاً من شواطئ الستّينات، لأنّني وجدتُ أنّ الأستاذ عبد الجواد سيّد، قد ركّبَ نصّهُ، كما تُرَكَّب الأُحجِيَة، التي لا معنى لقطعها وهي منفصلة، لذا أدعو إلى قراءتها كلّها، فهي كتلة واحدة، أو كجسدٍ متجانس، يكمن جماله في التناسق القائم بين أعضائه.
هذا هو تقييمي لنص الأستاذ عبد الجواد سيّد، شواطئ الستّينات، المثال التوضيحي الأمثل لتعريف ابن المقفّع، للبلاغة هي التي إن سمعها الجاهل، ظنَّ أنّهُ يُمكِنُهُ أن يأتيَ بمثلها. النصّ ليس طويلاً مملّاً، ولا قصيراً مُخلّاً، وهذا هو العهد بالأستاذ عبد الجواد، فهو يمنحني دائماً الشعور، أنّه يقيس كلماته، وجمله بالمسطرة، وهذا دليلٌ على أنّ سرّ الإبداع، لا يكمن في طول النصّ، أو في تراكم النصوص، وإنّما في نوعيّتها، فـالعقّاد، وما أدراك ما العقّاد، كان يرى أنّ بيت الشريف الرّضي، أفضل من رواية كاملة "وتَلَفَّتَت عيني، فَمُذ خَفِيَت عنها الطلول تَلَفَّتَ القلبُ"، المصدر كتاب الدكتور محمود السّمرة، محمّد مندور1907 1965، شيخ النقّاد في الأدب الحديث.
قصارى القول، يا من تدّعون عشق الحرف، ويا مَن تريدون تعلُّم الكتابة، أضع بين أيديكم نصّ شواطئ الستّينات، خاصّة، وباقي أجزاء السيرة الذّاتيّة، للأستاذعبد الجواد سيّد، بشكلٍٍ عامّ، وأقول لكم ما قاله ألفارو موتيس، عندما قدّم أوّلَ نسخة من رواية بيدرو بارامو، إلى ماركيز "خُذْ لكي تتعَلَّم".
أظهر الكل ..تَغربِينَ؛ فَتُشرِقين..
حاضِرَةٌ، و لا تُرَيْن.. مثل الرّياح،
كالسّعادةِ تَسرِي في جَسَدِ الصَّباح..
تَربُضين عندَ التُّخوم، و تهاجمين عندَ النّوم..
حُبُّكِ نِعمَ النَّديم، يُفنِي و لا يَفنَى،
سِحرُهُ أبداً يَدُوم، و تزيدُهُ الأيّامُ قَدراً،
كالصَّبُوحِ بِنتِ الكُروم.
ومضة:
*****
تقولُ: أنصِتْ لِي، لَن يُنصِتَ لَك.
مَعِدَةُ الجائع
تَغربِينَ؛ فَتُشرِقين..
حاضِرَةٌ، و لا تُرَيْن.. مثل الرّياح،
كالسّعادةِ تَسرِي في جَسَدِ الصَّباح..
تَربُضين عندَ التُّخوم، و تهاجمين عندَ النّوم..
حُبُّكِ نِعمَ النَّديم، يُفنِي و لا يَفنَى،
سِحرُهُ أبداً يَدُوم، و تزيدُهُ الأيّامُ قَدراً،
كالصَّبُوحِ بِنتِ الكُروم.
ومضة:
*****
تقولُ: أنصِتْ لِي، لَن يُنصِتَ لَك.
مَعِدَةُ الجائع
أظهر الكل ..يا قَلبَ الأَسَد
************
قَسَماً بِمَن خَلَقَ البَلَد
وَ وَالِدٍ وَ ما وَلَد
لَلحُبُّ أقوى و أَشَدّْ
مِنْ كُلِّ شَيءٍ قَد وُجِدْ
لا يَصلُحُ فيهِ
مَن جَدَّ وَجَدْ
وَ مَنْ زَرَعَ حَصَدْ
نِعمَ الصَّدِيقُ و السَّنَدْ
و لِلحياةِ هو الوَتَدْ
وَ إذا تَوَلَّى هو الكَمَدْ
يَجْرِي بلا سَبَبٍ يُرَى
هو السُّؤالُ وَ الجوابْ
هو السَّبَبْ
لا يُوجَدُ معهُ سَبَبْ
فيهِ معانِي الغَيبِ
قامَت تَهدِمُ صُرُوحَ ...
يا قَلبَ الأَسَد
************
قَسَماً بِمَن خَلَقَ البَلَد
وَ وَالِدٍ وَ ما وَلَد
لَلحُبُّ أقوى و أَشَدّْ
مِنْ كُلِّ شَيءٍ قَد وُجِدْ
لا يَصلُحُ فيهِ
مَن جَدَّ وَجَدْ
وَ مَنْ زَرَعَ حَصَدْ
نِعمَ الصَّدِيقُ و السَّنَدْ
و لِلحياةِ هو الوَتَدْ
وَ إذا تَوَلَّى هو الكَمَدْ
يَجْرِي بلا سَبَبٍ يُرَى
هو السُّؤالُ وَ الجوابْ
هو السَّبَبْ
لا يُوجَدُ معهُ سَبَبْ
فيهِ معانِي الغَيبِ
قامَت تَهدِمُ صُرُوحَ العِلمِ
إلى الأَبَدْ
لِأَجلِهِ خانَ الوَفِيّْ
و لَهُ بَكَتْ عَينُ التَّقِيّْ
و بِسِحرِهِ عُشِقَ الغَبِيّْ
و بِنَارِهِ عُبِدَ الوَلَدْ
يَا غَافِرَ الزَّلّاتِ و العَثَرَاتِ
يَا قَلْبَ الأَسَدْ.
أظهر الكل ..لَقدْ تَغَيَّرْتُمَا!
*********
يَهجُرُ مَهْجَرَهُ
وَ يَعُودُ إلى وَالِدَيْه
فَيَجِدُهُمَا قد حَكَمَتهُمَا الشَّيخُوخَةُ
بَعدَ أن ضَعفَ الشَّبَابْ
لَقدْ تَغَيَّرْتُمَا!
لَمْ نَتَغَيَّرْ
لَقَد شَاخَ البَيتُ فِينَا فقط
الأهَمُّ هُمْ أصحابُ البَيتْ
أمَّا البَيتُ فِيكَ
فَلَمْ يَتَغَيَّرْ إلَّا قَلِيلاً
لَكِن أينَ اِبنُنَا؟!
هَلْ باعَكَ هذَا البَيتْ؟!
كلُّ لَيْلَة
*******
كلُّ ليلةٍ يَخلَعُ أسْ ...
لَقدْ تَغَيَّرْتُمَا!
*********
يَهجُرُ مَهْجَرَهُ
وَ يَعُودُ إلى وَالِدَيْه
فَيَجِدُهُمَا قد حَكَمَتهُمَا الشَّيخُوخَةُ
بَعدَ أن ضَعفَ الشَّبَابْ
لَقدْ تَغَيَّرْتُمَا!
لَمْ نَتَغَيَّرْ
لَقَد شَاخَ البَيتُ فِينَا فقط
الأهَمُّ هُمْ أصحابُ البَيتْ
أمَّا البَيتُ فِيكَ
فَلَمْ يَتَغَيَّرْ إلَّا قَلِيلاً
لَكِن أينَ اِبنُنَا؟!
هَلْ باعَكَ هذَا البَيتْ؟!
كلُّ لَيْلَة
*******
كلُّ ليلةٍ يَخلَعُ أسْوَدَهُ
و يضَعُهُ على مشجَبِ الإنتِظارْ
فَهوَ لا يُجِيدُ وَصْفَهُ
إلّا غِيبَةً
وَ بِقَدرِ ما يهرُبُ مِنه
بِقَدْرِ ما يتفادى تجَاهُلَهُ
فلا حياةَ لهُ بِدونِه
ثمّ يَخلُو إلى أَلَمِهِ الأخرَسْ
وَ يَدفَعُهُ إلى الكلامِ
بِعَزَاءٍ غَزِيرْ
لكنَّ ألمَهُ
يفشَلُ في ارتِقَاءِ سُلَّمِ البَوْح
وَ يُعلِنُ اِنكِسَارَهْ
فيُعلِنُ قَلَمُهُ اِنتَصارَهْ.
أظهر الكل ..النّارُ وراءَه
و البَحرُ أمامَه
نَسَمَاتُ الشَّمالِ تُنادِيه
تُناغِيهِ وَ تُنَاجِيه
و الحُلْمُ يَسكُنُهُ و يُسكِرُه
فَهُوَ المَسكُونُ بِالأَزرَقْ
وَ البلادُ العجيبَةُ تَتَمَثَّلُ لَهُ
في صورةِ غانِيَةٍ حسناء
تُبْرِزُ مفاتِنَها، و تَفتَحُ لَهُ ذِرَاعَيْها
تُخَدِّرُهُ بِغِنَائِهَا، وَ وُعُودِهَا
كَجِنِّيَّاتِ البَحر
أَلَيْسَ هذا هُوَ البَحرُ
الّذي طالَمَا عَشِقتَه؟
أَلْقِ بِنَفسِكَ فيه
وَ تعَالَ اِنعَمْ بِقُربِي ...
النّارُ وراءَه
و البَحرُ أمامَه
نَسَمَاتُ الشَّمالِ تُنادِيه
تُناغِيهِ وَ تُنَاجِيه
و الحُلْمُ يَسكُنُهُ و يُسكِرُه
فَهُوَ المَسكُونُ بِالأَزرَقْ
وَ البلادُ العجيبَةُ تَتَمَثَّلُ لَهُ
في صورةِ غانِيَةٍ حسناء
تُبْرِزُ مفاتِنَها، و تَفتَحُ لَهُ ذِرَاعَيْها
تُخَدِّرُهُ بِغِنَائِهَا، وَ وُعُودِهَا
كَجِنِّيَّاتِ البَحر
أَلَيْسَ هذا هُوَ البَحرُ
الّذي طالَمَا عَشِقتَه؟
أَلْقِ بِنَفسِكَ فيه
وَ تعَالَ اِنعَمْ بِقُربِي
أَقْبِلْ إِلَيّْ
أنا في اِنتِظارِكْ، أنا في اِنتظارك، أنا في اِنتظارِك...
أظهر الكل ..جَفَّت بِئرُ صَدرِي
فَتَسَوَّلَت
تَستَجدِي قَطرَة
سَقَت صُدوراً كثيرَةً
قد أَملَقَت
فَهَل عطاءُ المُحسِنِينَ
يَرتَدُّ حَسرَة؟!
شَيئانِ
يَجحَدُ بِرَّهُمَا الزَّمَانُ
مهما أَعطَيَا!
الوالِدانِ
وَ مَن يَهوَى سِواهُمَا
وَ لَوْ أَعطَى عُمرَه.
*****************
كلّ يومٍ أُفَكِّرُ في اللَّذَيْنِ أُحِبُّهُما كثيراً،
أتخيّلُهما قد ماتا..
أبكِيهِما، و أَحزنُ عليهما كثيراً،
لأنّهما إذا ماتا في الحقيقةِ ...
جَفَّت بِئرُ صَدرِي
فَتَسَوَّلَت
تَستَجدِي قَطرَة
سَقَت صُدوراً كثيرَةً
قد أَملَقَت
فَهَل عطاءُ المُحسِنِينَ
يَرتَدُّ حَسرَة؟!
شَيئانِ
يَجحَدُ بِرَّهُمَا الزَّمَانُ
مهما أَعطَيَا!
الوالِدانِ
وَ مَن يَهوَى سِواهُمَا
وَ لَوْ أَعطَى عُمرَه.
*****************
كلّ يومٍ أُفَكِّرُ في اللَّذَيْنِ أُحِبُّهُما كثيراً،
أتخيّلُهما قد ماتا..
أبكِيهِما، و أَحزنُ عليهما كثيراً،
لأنّهما إذا ماتا في الحقيقةِ،
سيكونُ ثمنُ حُزنِي عليهما كبيراً، لا أستطيعُ دَفعَهُ..
ها أنا أَدفَعُهُ اليومَ أَقساطاً.
************************
قال: سأُحَدِّثُكَ عن الإغراء،
قلتُ: كَلّاَ، إنِّي أَعرِفُه.
قالَ: سأخبركَ خَبَرَيْنِ سعيدَيْن، ثمَّ أخبرَني أَحَدَهُما،
قلتُ: و ما الآخرُ؟
قال: تَعرِفُهُ
قُلتُ: أرجوكَ قُلْهُ، لستُ أَعرِفُهُ
قالَ: الإغراءُ: ما لستَ تَعرِفُهُ.
أظهر الكل ..لا رُجُوعَ لَكَ إلى الوَطَنْ
فَفِي بُعْدِكَ ضاقَ الوَطَنْ
قَلَّصَتهُ أيّامُ بُعْدِك
فَعَشِقَ في بُعْدِكَ بُعْدَكَ
و أبَاحَ لَهُ أن يُؤَثِّثَهُ
وِفْقَ ذَوقِهْ
فَأَثَّثَهُ بِذاكرةٍ
لا وُجُودَ لَكَ في مُكَوِّنَاتِهَا
فَأَصبَحَ يَنظُرُ إِلَيكَ
بِعَيْنَيْنِ مُحَايِدَتَيْن
عَلَّمهُ أن يَراكَ فلا يُبَالِي
عَلَّمَهُ أن لا يُغَالِي
وَ أعادَ إليهِ َعرشَهُ المَسلُوب
فَلَيسَ لِأَعدائِهِ مِنهُ اليَوم
أكثر منَ النّظَرِ إلَ ...
لا رُجُوعَ لَكَ إلى الوَطَنْ
فَفِي بُعْدِكَ ضاقَ الوَطَنْ
قَلَّصَتهُ أيّامُ بُعْدِك
فَعَشِقَ في بُعْدِكَ بُعْدَكَ
و أبَاحَ لَهُ أن يُؤَثِّثَهُ
وِفْقَ ذَوقِهْ
فَأَثَّثَهُ بِذاكرةٍ
لا وُجُودَ لَكَ في مُكَوِّنَاتِهَا
فَأَصبَحَ يَنظُرُ إِلَيكَ
بِعَيْنَيْنِ مُحَايِدَتَيْن
عَلَّمهُ أن يَراكَ فلا يُبَالِي
عَلَّمَهُ أن لا يُغَالِي
وَ أعادَ إليهِ َعرشَهُ المَسلُوب
فَلَيسَ لِأَعدائِهِ مِنهُ اليَوم
أكثر منَ النّظَرِ إلَيهِ
خَارجَ الحدود
وَ ليسَ لِمُحِبِّيهِ
غير السّباحةِ على شاطئِه
غير الزّيارةِ ثُمّ الرّحيل
لقد أصبح وطناً
يَستَوطِنُ ذاتَه
لا ثغرَةَ في دفاعاتِه
صَدِّقنِي لا مكانَ لكَ
في هذا الوَطَنْ
قَلبِي القديم كان لَكَ الوَطَن.
أظهر الكل ..وَدَّعَ الحَانَ بَعدَما لم يَعُدْ في الحَانِ غَيرُهْ..
الحانُ قريبٌ من بيتِهِ؛ فَاِستَقَلَّ نفسَهُ، و لم يُزعِجْ سيّارتَهْ..
ساقاهُ لا تَحملانِهْ..
يَحمِلُهُما، كما يَحمِلُ سُكْرَهُ، و مِحفَظَةً تُرَبِّتُ على كتِفِهِ بِحِزَامِهَا،
وَ تُخَاصِرُهْ..
تَتَأَرْجَحُ سعيدةً بِمَا تَحْمِلُهْ..
قَلَمهُ و دَفتَرهْ..
الطّريقُ موحِشَةٌ إلّا قليلاً.. فَهُنَاكَ خَيَالُهْ..
والبَيتُ مُوحِشٌ إلّا قليلاً.. فَفِيهِ كَلْبُهْ..
لَكِنَّهُ مُؤْتَنِسٌ كثيراً بِق ...
وَدَّعَ الحَانَ بَعدَما لم يَعُدْ في الحَانِ غَيرُهْ..
الحانُ قريبٌ من بيتِهِ؛ فَاِستَقَلَّ نفسَهُ، و لم يُزعِجْ سيّارتَهْ..
ساقاهُ لا تَحملانِهْ..
يَحمِلُهُما، كما يَحمِلُ سُكْرَهُ، و مِحفَظَةً تُرَبِّتُ على كتِفِهِ بِحِزَامِهَا،
وَ تُخَاصِرُهْ..
تَتَأَرْجَحُ سعيدةً بِمَا تَحْمِلُهْ..
قَلَمهُ و دَفتَرهْ..
الطّريقُ موحِشَةٌ إلّا قليلاً.. فَهُنَاكَ خَيَالُهْ..
والبَيتُ مُوحِشٌ إلّا قليلاً.. فَفِيهِ كَلْبُهْ..
لَكِنَّهُ مُؤْتَنِسٌ كثيراً بِقَلْبِه.. فَلَمْ يَعُدْ للقلبِ غَيْرُهْ.
أظهر الكل ..في انتظار الّنُّور
***************
عندما يأتي اللَّيل؛ تُصبِحُ المدينةُ كَعكَةً مِنَ الشوكولا السَّوداء،
و تُصبِحُ مصابيحُها شموعاً!
أتساءلُ: عيدُ ميلادِ مَنْ?! أنا لا أرى أحداً?!
عندما يأتي اللَّيل، يَنَامُ الجميع، وَ تَصحُو المدينةُ راهِبَةً في جِلْبَابِهَا الأَسْوَد..
تُشْعِلُ أضواءَهَا؛ فَتُصبِحُ أيضاً المَعْبَد!
أتَساءلُ: بِماذا تدعُو المدينَةُ و هي تَتَعَبَّد؟!
لا أَعرِفُ الإجابةَ إلّا حِينَ يَسْتَيقِظُ الجميعُ، بعد أن ترجعَ
المدينَ ...
في انتظار الّنُّور
***************
عندما يأتي اللَّيل؛ تُصبِحُ المدينةُ كَعكَةً مِنَ الشوكولا السَّوداء،
و تُصبِحُ مصابيحُها شموعاً!
أتساءلُ: عيدُ ميلادِ مَنْ?! أنا لا أرى أحداً?!
عندما يأتي اللَّيل، يَنَامُ الجميع، وَ تَصحُو المدينةُ راهِبَةً في جِلْبَابِهَا الأَسْوَد..
تُشْعِلُ أضواءَهَا؛ فَتُصبِحُ أيضاً المَعْبَد!
أتَساءلُ: بِماذا تدعُو المدينَةُ و هي تَتَعَبَّد؟!
لا أَعرِفُ الإجابةَ إلّا حِينَ يَسْتَيقِظُ الجميعُ، بعد أن ترجعَ
المدينَةُ مدِينَةً كَسابِقِ عَهْدِها، حِينَ تُطفِئُ أَضواءَها، و تنام..
لَقَدْ نُزِعَ عنها جِلْبَابُها الأَسْوَد.
أظهر الكل ..