تباين الثيمات في قصص «ألق المدافن» للقاص رشيد شباري
بقلم: د.عز الدين معتصم/ القدس العربي
ولج المبدعون في المغرب، في العصر الرَّاهن، منعطفا حاسما أعلنوا فيه
الاهتمام بالجانب الروحي للإنسان، ولا يشذ الراحل رشيد شباري عن هذا
النهج، إذ نلفي منجزه السردي الموسوم بـ»ألق المدافن» يشتمل على أربع
عشرة قصة، تتضمن جملة من الثيمات الرامية إلى الاتصال بجوهر الوجود
وباطنه، الذي يوحي بالقداسة والسمو، وكلها موضوعات في غاية الدقة
والعمق، إذ حفزت ثلة من النقاد على مقاربتها ضمن كتاب جماعي صدر عن ال
...
تباين الثيمات في قصص «ألق المدافن» للقاص رشيد شباري
بقلم: د.عز الدين معتصم/ القدس العربي
ولج المبدعون في المغرب، في العصر الرَّاهن، منعطفا حاسما أعلنوا فيه الاهتمام بالجانب الروحي للإنسان، ولا يشذ الراحل رشيد شباري عن هذا النهج، إذ نلفي منجزه السردي الموسوم بـ»ألق المدافن» يشتمل على أربع عشرة قصة، تتضمن جملة من الثيمات الرامية إلى الاتصال بجوهر الوجود وباطنه، الذي يوحي بالقداسة والسمو، وكلها موضوعات في غاية الدقة والعمق، إذ حفزت ثلة من النقاد على مقاربتها ضمن كتاب جماعي صدر عن الراصد الوطني للنشر، والقراءة بعنوان «جماليات الخطاب السردي في قصص «ألق المدافن» تقديم فاطمة الزهراء المرابط.
محاور الكتاب
جاء المقال الأول في الكتاب موسوما بعنوان «اشتغال المتخيَّل السردي في «ألق المدافن» إذ تتبع فيه الباحث سعيد موزون، كيفية اشتغال البناء القصصي لمحكيات «ألق المدافن» في محطاته الكبرى وبنياته السردية العميقة، على سلطة التخييل وحضورها البارز واللافِت كاستراتيجية سردية يتشيد بها معمار النصوص القصيرة. أما المقال الثاني فقد جاء بعنوان «السردي وفلسفة الوجود الإنساني في ألق المدافن» تتغيا كاتبته شيماء أبجاو رصدَ الوعي الكتابي ورهان السؤال الوجودي، كون مفهوم الوعي الكتابي يرتبط ارتباطا وثيقا بالذات، التي تشكل جدلية مع الآخر ومع العالم. وجاء المقال الثالث بعنوان «البعد الصوفي في ألق المدافن»، حيث انطلقت مساءلة الباحث عز الدين المعتصم، فيه لموضوع التصوف، إذ يمثل اللجوء إلى التجربة الصوفية، كممارسة إبداعية أو فلسفية لرؤية الكون، مظهرا من مظاهر حداثة الفن القصصي في المغرب، حيث يعمد القاص إلى استلهام التجربة الصوفية، بهدف إضفاء الطابع الشعري والبعد الرمزي على عمله الإبداعي.
أما المقال الرابع للباحث رشيد أمديون، فجاء موسوما بعنوان «ملامح النزعة العبثية واللاجدوى في ألق المدافن» وكان أكثر دقة في محاولة تحديد مفهوم الأدب العبثي، الذي يقوم على ثنائية متلازمة وهي الحياة والموت. وجاء المقال الخامس بعنوان «أسئلة الكتابة وحدود الشخصية المبدعة قراءة في (ألق المدافن)»، ليؤكد فيه الباحث محمد دخيسي على أن الراحل رشيد شباري نهج في منجزه السردي طريقة الكتابة المتحررة من قيود الوقائع والأحداث. أما المقال السادس فقد اختار له الباحث عبد الله استيتو عنوان «تقاطع الأدبي والفلسفي لثيمة الموت في ألق المدافن»، حيث أكد على تداخل وتعالق الفلسفة بالظاهرة الأدبية مشيرا إلى أن الفناء/الموت شكل حيرة وتوترا للإنسان انطلاقا من الفكر الأسطوري.
وتمحورت الدراسة السابعة المعنونة بـ»ألق المدافن دراسة تناظرية من العنوان إلى النص الموسع» للباحث جامع هرباط حول اللغة الرمزية التي تستدعي قارئا جادا، يكد عقله ويعمل فكره بهدف سبر أغوار «ألق المدافن»، باعتبارها بنية معقدة حافلة بالدلالات والإيحاءات الرمزية. أما بخصوص الدراسة الثامنة والأخيرة الموسومة بـ»شعرية الضحك والسخرية في ألق المدافن» فقد حاول الباحث عبد الكريم الفزني من خلالها تتبع السخرية والضحك في المجموعة القصصية (ألق المدافن) باعتبارهما من مرتكزات شعرية قصص المجموعة، وتتبعهما هو رصد لخصائص اللغة التي تتشكل منها أركان القصص المتمثلة في البنية والمعنى، وما ينجم عنهما من دلالة وإيحاء. ومن هنا يتضح بجلاء أن الدراسات المنجزة حول خطاب «ألق المدافن» تحبل بثيمات متباينة أهمها: الجمال والفناء والكون.
سمو الجمال
من شأن قراءة متأنية لجماليات الخطاب السردي في «ألق المدافن» للراحل رشيد شباري، أن تجعلنا نخرج بفكرة مفادها السعي الحثيث لدى الباحثين والنقاد إلى خلق توليفات لغوية، تهدف إلى تعضيد رمزيةِ النصوص السردية وتكثيف رؤيتها الشعرية. منها حضور الجمال باعتباره مَلَكَةً طبيعية. وجدير بنا أن نشير إلى أن الحس الجمالي -حسب الباحثين- هو الذي جعل المبدع يُفْتَنُ بكل الموجودات الطبيعية وعلى الخصوص المرأة، يقول في قصة ضيوف: «ومن لا يهفو بسيِّدةِ الحسنِ والجمال، في زمن شُحَّ فيه الجمالُ حتى أُعْلِنَ رسميا عن إلغاءِ مسابقةِ ملكةِ جمالِ العالم».
إن التخييل السردي هو، في الأساس، موقف رؤيوي من العالم لا مجرد تقنية فنية، وبهذا فإن تعبيرات وتراكيب مثل: (سيدة الحسن والجمال، ملكة جمال العالم) هي تعبيرات رؤيوية وتخييلية، في الآن نفسه. إن الجمال يتجسد في جميع أسرار الكون ومكونات الوجود، ومن يُرَوِّض نفسه على هذا الوجه في الحب، فيتأمل الأشياء الجميلة متدرجا بينها وفق مراتبها الوجودية، يصل عندئذ إلى التَّحققِ بغاية الحب. وقد خلُص النقَّاد إلى أن السارد في «ألق المدافن» مشتاق إلى الجمال الذي يبرز الرغبة في ولوج عالم الكشف ثم المشاهدة، وتوَّاق إلى شراب العاشقين ليبلغ طربَه وشطحتَه الصوفية.
رمزية الفناء/ الموت
نستشف من دراسات الباحثين عبد الله استيتو وشيماء أبجاو وعز الدين المعتصم أن المبدع يغيب عن عالم المخلوقات والحياة، ليدخل عالم «المعرفة الحقيقية»، ليستنتجوا أن رشيد شباري ينهل من تجربة روحية تنطلق من المحسوس إلى المجرد، وترتبط ارتباطا وثيقا بسلوك معرفي. يقول الراحل في قصة الفاتحة: «إنِّي لم أَمُتْ، وإنَّما هي هجرةٌ أَطَهِّرُ بِهَا نفسي من شرورِ آدميتي، لأعاشرَ حيواتٍ أخرى استطلاعا لجوهرها غيرِ المُدْرَكِ، وعودةٍ بثقلٍ من كمدٍ لا يَقِلُّ عمَّا يَعْتَرِي سَائِرَ البَشَر».
يتضح بجلاء – من منظور الدارسين- أن السارد يغيب عن الواقع المحسوسِ ليلج عالم الحقيقة التي تُشْرِقُ في قلبِ العارف. الأمر الذي يجعلنا نلمس تداخلا قويا بين ثيمَتَي الغيبة والموت «تَمَلَّكَنِي إِحْسَاسٌ بالغثيانِ يقبضُ على أنفاسي بقوةٍ فتعتصر أمعائي ويَعْتَرِينِي دُوَارٌ في الرأس، فيتهاوى الجَسَدُ في الهروب، وتقتحِمُني غَيبُوبَةٌ مُمِيتَة، لم أستطعْ تقدير مدَّتِها، أسبوعٌ أو شهرٌ أو سَنَة، لست أدري».
ومن هنا نفهم سبب اعتبار الباحثين الموت أصلا من أصول الإبداعِ الروحي الذي يصبو إلى الصفاءِ والطهارة، لنقرأ في قصة الفاتحة: «يراودني شُرودُ الموتِ، وتنسَدِلُ ستائرُ الغَشَاوَةِ على عيني، ويتحَلَّق اللفيفُ حولي، وأنا النَّائِمُ النَّاقِمُ الحَالِمُ القَابِضُ بتلابيبِ الحياة، أستعيد ُروحي بالكَادِ، وأفتحُ عيني».
نستنتج أن خطاب «ألق المدافن» يعد فضاء امتزج فيه فعل العشق الخالد بفعلِ الموت. وهذا ما يتضح في قصة وجدان غيمة، التي يقول فيها القاص:»الشرفة المطلَّةُ على السمواتِ تُحَرِّضُكَ على القيامِ بتجربةِ الموتِ، بالارتماءِ في أحضان الترابِ، وهو مَرْقَدُكَ الأخيرُ بالإكْرَاه». هناك تلازمٌ كبيرٌ في الذاكرةِ الشعبيةِ والعالِمة بين الحبِّ والموت، ، لهذا يمثل الفناء تجربةً إبداعية.
٭ كاتب مغربي
https://www.alquds.co.uk/تباين-الثيمات-في-قصص-ألق-المدافن-للق/
جماليات الخطاب السردي، قراءات في قصص "ألق المدافن" للقاص رشيد شباري"
كتاب يضم عدد من القراءات التي أنجزت في العمل الأدبي "ألق المدافن" للكاتب رشيد شباري.
شارك في هذا العمل ثلة من الباحثين والمبدعين المغاربة: سعيد موزون، شيماء أبجاو، عز الدين المعتصم، رشيد أمديون، محمد دخيسي، عبد الله ستيتو، جامع هرباط، عبد الكريم الفزني.
تقديم وتنسيق: فاطمة الزهراء المرابط
الكتاب من اصدرات الراصد الوطني للنشر والقراءة
كتاب يضم عدد من القراءات التي أنجزت في العمل الأدبي "ألق المدافن" للكاتب رشيد شباري.
شارك في هذا العمل ثلة من الباحثين والمبدعين المغاربة: سعيد موزون، شيماء أبجاو، عز الدين المعتصم، رشيد أمديون، محمد دخيسي، عبد الله ستيتو، جامع هرباط، عبد الكريم الفزني.
تقديم وتنسيق: فاطمة الزهراء المرابط
الكتاب من اصدرات الراصد الوطني للنشر والقراءة
أظهر الكل ..جماليات الخطاب السردي، قراءات في قصص "ألق المدافن" للقاص رشيد شباري"
إني لم أمت، وإنما هي هجرة أطهر بها نفسي من شرور آدميتي لأعاشر حيوات أخرى استطلاعا لجوهرها غير المدرك وعودة بثقل من كمد لا يقل عما يعتر سائر البشر
ألق المدافن، ص: 10.
ألق المدافن
ذكر المؤرخون أن أول من تَسمَّى بلقب "أمير المؤمنين" بالمغرب هم حكام الدولة الموحدية، ذلك أن أول خلفائهم عبد المومن الكومي كان أول من أطلق هذا اللقب على نفسه رغم أن يوسف بن تاشفين المرابطي من قبله رفض هذا اللقب حين عرض عليه واختار أن يلقب بأمير المسلمين، وتحجج بأن أمير المؤمنين هناك في المشرق، أي خليفة الدولة العباسية. وسنعود للحديث عن هذا اللقب لاحقا.
في حكم يعقوب بن يوسف الموحدي المعروف بالمنصور الموحدي وهو ثالث خلفاء الموحدين وهو من لم يمهله الموت ليكمل بناء مسجد حسان بالرباط وظلت صوم ...
ذكر المؤرخون أن أول من تَسمَّى بلقب "أمير المؤمنين" بالمغرب هم حكام الدولة الموحدية، ذلك أن أول خلفائهم عبد المومن الكومي كان أول من أطلق هذا اللقب على نفسه رغم أن يوسف بن تاشفين المرابطي من قبله رفض هذا اللقب حين عرض عليه واختار أن يلقب بأمير المسلمين، وتحجج بأن أمير المؤمنين هناك في المشرق، أي خليفة الدولة العباسية. وسنعود للحديث عن هذا اللقب لاحقا.
في حكم يعقوب بن يوسف الموحدي المعروف بالمنصور الموحدي وهو ثالث خلفاء الموحدين وهو من لم يمهله الموت ليكمل بناء مسجد حسان بالرباط وظلت صومعة حسان على شكلها الحالي إلى يومنا هذا. هزم ألفونسو الثامن ملك قشتالة في أحد أكبر المعارك التي عرفها تاريخ المغرب بعد معركة الزلاقة (يوسف بن تاشفين)، وهي معركة الأرك (1195) وبها اتخذ لنفسه لقب "المنصور بالله".
عاصر يعقوب المنصور السلطان صلاح الدين الأيوبي الذي فتح بيت المقدس سنة 583 هجرية، فتتابعت أساطيل النصارى من كل جهة لمحاربته باسم الحرب المقدسة أو ما سمي عند المسلمين بالحروب الصليبية، ولضعف أساطيل الدولة الأيوبية وقتها لم تقاومهم أساطيل الإسكندرية فاضطر صلاح الدين الايوبي أن يرسل إلى يعقوب المنصور طلب العون وهو الذي كان يملك أسطولا بحريا قويا فبعث إليه مبعوثا هو عبد الرحمان بن منقذ مع هدايا كثيرة (ذكرها الناصري في الاستقصا، ) ومصحفان.
وكانت الرسالة التي بعث بها صلاح الدين الأيوبي من إنشاء الأديب عبد الرحيم البنسني المعروف بالقاضي الفاضل، وعنوانها: "من صلاح الدين إلى أمير المسلمين"، وهي رسالة طويلة افتتحها بقوله: "الفقير إلى الله تعالى يوسف بن أيوب.."
أكرم المنصور وفادة المبعوث الذي حمل إليه الرسالة لكنه لم يستجب لطلب صلاح الدين، لسبب قد يكون بعض المؤرخين اتفقوا عليه وهو أن صلاح الدين لم يخاطب المنصور بأمير المؤمنين، غير أن البعض الآخر يرى أنه ليس بالسبب المقنع، بل هناك ما أشغل المنصور عن إرسال أسطوله لنجدة صلاح الدين، فإبن غانية وقتها ظهر بإفريقية (تونس حاليا)، فنهض إليه المنصور، لكنه فر إلى الصحراء بحسب ما ذكره الناصري. وحيث –أيضا- أن المنصور كان مشغولا بحرب النصارى الذين استولوا على قسم كبير من مملكة البرتغال الحالية، أي أنه كان بدوره يحارب المد الصليبي وأن أسطوله كان موزعا على عدة ثغور دفاعا لكل هجوم منتظر.
المراجع:
- الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى – الناصري- دار الكتاب. الجزء 2. صفحة 181 و183
- المغرب عبر التاريخ – إبراهيم حركات- دار الرشاد الحديثة. الجزء الأول. ص:275 و276
- الموسوعة الإلكترونية (المعرفة).
(لمتباعة كل اللمحات التاريخية السابقة #لمحة_تاريخية_رشيد
أظهر الكل ..بقلم: رشيد أمديون
_____________________
في بهو الحضور افتقدتك... فكنتُ أبحثُ عنكَ بين تفاصيل دقيقة،
لا يراها غيري، أو كأنها تُرَى لي وحدي في ملامح الجالسين، والواقفين،
والغافين... كانوا يزدحمون في تباهٍ يتملقون بالحضور، تملق الساسة...
ما كانت وجوههم ترتاحُ لها الرّوح! كانوا جامدين كالحجر، باردين
كالصقيع.. إلا أنَّ عيونَهم تدور في محاجرها تراقبُ، تلتقط، تطلق
شرارا. حتى كلامهم لم يكن له ذوق! لا يبني أملا، لا يُؤسّس غير الوعود
برتابة مملّة حدّ التقيؤ.
عذرا أيها الغائب. علمت الآ ...
بقلم: رشيد أمديون
_____________________
في بهو الحضور افتقدتك... فكنتُ أبحثُ عنكَ بين تفاصيل دقيقة، لا يراها غيري، أو كأنها تُرَى لي وحدي في ملامح الجالسين، والواقفين، والغافين... كانوا يزدحمون في تباهٍ يتملقون بالحضور، تملق الساسة... ما كانت وجوههم ترتاحُ لها الرّوح! كانوا جامدين كالحجر، باردين كالصقيع.. إلا أنَّ عيونَهم تدور في محاجرها تراقبُ، تلتقط، تطلق شرارا. حتى كلامهم لم يكن له ذوق! لا يبني أملا، لا يُؤسّس غير الوعود برتابة مملّة حدّ التقيؤ.
عذرا أيها الغائب. علمت الآن لمَ لمْ تحضر!
ما عاد هذا البهو طاهرًا ولا نظيفا.
لا تستنزفي كل الكلمات في أوّل لقائنا...
اذّخري منها ما سنتناوله ونحن نحتسي فناجين قهوتنا القادمة.
افعلي، خشية أن نتحول إلى كائنين يُمارسان الصمت على طاولة البَوْح.
رشيد أمديون
المتخيل والغرابة المقلقة
في"كاتب الديوان" للقاص خليل حشلاف
بقلم: رشيد أمديون
”الإنسانية لا تتحمل كثيرًا من الواقع “ (توماس إليوت)
في الحكاية التي احتال بها الشيطان على أدام وحواء، (قال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين)1، ما يدعونا إلى النظر، أن الشيطان فتح أفقا خياليا - ممتدا نحو المستقبل والغيب - فعبر من خلله إلى لاوعي أو إلى غريزة أدم وحواء.. وبحديثه المثير للإغراء شكَّل ملامح عالم متخيل له خاصيتين، الاحتيال والإيهام، ثم أثار نز ...
المتخيل والغرابة المقلقة
في"كاتب الديوان" للقاص خليل حشلاف
بقلم: رشيد أمديون
”الإنسانية لا تتحمل كثيرًا من الواقع “ (توماس إليوت)
في الحكاية التي احتال بها الشيطان على أدام وحواء، (قال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين)1، ما يدعونا إلى النظر، أن الشيطان فتح أفقا خياليا - ممتدا نحو المستقبل والغيب - فعبر من خلله إلى لاوعي أو إلى غريزة أدم وحواء.. وبحديثه المثير للإغراء شكَّل ملامح عالم متخيل له خاصيتين، الاحتيال والإيهام، ثم أثار نزعة الفضول التي هي غريزة بشرية، فصور لأدام وحواء شيئا مغايرا وغير مألوف لهما يغري بالتجربة مادام يمنح الخلود، بحسب ما كان يزعم.. صدَّقاه رغم درايتهما المسبقة بحقيقة واقعهما وطبيعة بشريتهما فاستسلما للتخييل ونسيا الحقيقة، أن الشيطان عدو، وأن الفناء طبيعة الأشياء...
* كِتابةُ ما لم يُكتب
في السرد القصصي الحديث، لا يمكننا اعتبار الارتكاز على الخيال والحلم هروبا مقصودا من دائرة الواقع/الحاضر، والانفصال عنه، إذ أنه بحثٌ عن فضاءات تمنح برحابتها إمكانية جعل حقيقة الواقع مستساغة وأكثر وضوحا وتجليا. والكاتب يمارس التجريب محاولا ابتكار أشكال وأنماط جديدة قادرة على استيعاب التصورات.. (ليس بنفس الرتابة) لأن الكتابة رسم واكتشاف وابتكار: "أأكتب ما لم يكتب؟"، فما لم يُكتب هو ما سيتم انتاجه بطبيعة الحال، فهو تصميم جديد لهندسة ما: "أكتب هذا البياض العذري وأنحت من الكلم زهرات سريالية"2. إن الكاتب مثقل بهاجس الكتابة وأفقها التجريبي، حتى وهو ينسج الحدث، فيُوكل عنه في التصريح ساردَ القصة.
هذا العالم الواقعي تحتاجُ عملية رصده وتحديد مفارقاته، إلى صياغات متجددة تولّد الدهشة وتثير القلق، قال السارد: "إن صياغة الحياة شيء مزعج"، ذلك على اعتبارها تجربة حتمية ذاتيه ملأى بالكد والتعب والشقاء... أما لو تم صياغتها ضمن سرد قصصي يتوسل إلى بناء حكاية، فلا شك أن النصوص يلزمها أن تُساهم في إثارة الاسئلة المقلقة والمزعجة، وألّا تكون ذات نمط مألوف لا تقدم ما من شأنه أن يوصف بالجدة والابتكار (كما سبق القول). لابد للقاص أن يكسر حواجز المألوف ليزج بقارئه في عوالم الغرابة والإدهاش والاحتيال..، هذه -وباتقاف ضمني- هي مِلح الكتابة السردية وهذا هو منهج التجريبيين الذي يعتمد على البحث عن نص لا يشبه نصا آخر، وعن طرائق جديدة للتخييل والكتابة... إنها تجربة ممتعة تصبح فيها الكتابة لا تقتصر على البحث عن المغامرة في القصة، بل إن الكتابة هي المغامرة نفسها، وهي حمل ثقيل ملقى على عاتق الكاتب تخالط هواجسَه حتى وهو يكتب القصة. كتابة ذاتية تنطلق من الداخل.. وقد قال محمد برادة: "أريد أن أكتب أشياء.. حضورها يجسد الغياب.. أكتب عن تجربة، لكن بودي لو أستطيع أن أكتب عن الهواجس والمعلومات والهذيان وأحلام اليقظة وسيناريوليالي السهاد... من يستطيع أن يلتقط هذه الكتابة الشفوية البصرية اللاواعية المستمرة كوجع لا يهدأ"3
* شعرية اللغة والتخييل
حين نقرأ المجموعة القصصية "كاتب الديوان" للقاص والروائي الجزائري خليل حشلاف، فإننا حتما نقرأ لكاتب يكتب القصة القصيرة بنفس شعري ويزخرف نسيج النصوص بلغة منتقاة بعناية كي تؤدي دورها الفني الذي من مميزاته ابتكار الجمال عبر تصوير لوحات شعرية متخيلة،. نقرأ مثلا:
- "سقايات الماء، المواعين النحاسية، صليل المعادن، وشوشات النساء تحت المنحدر، وأيديهن في شغل، سيقانهن البيضاء تأخذ بدريئة القلب.."
- "الليل حلة مبرقشة بوردات النجوم، نوافذ البيوت كوات لنهار لم يولد".
- "إذ يضيء نجم في طواميس الليل".
- "لأضرب به عروة الظلام"
هذا التلاقح والتلاقي ما بين اللغتين السردية والشعرية، يصبح ضرورة وغاية لبناء نص يروي ضمأ القارئ المتلهف للعبارة البديعة والصورة المجازية المدهشة. ويكسب هذا النفسُ الشعري القاصَ يقظة ووعيا، على اعتبار أنه يدرك كيف يؤلف بين المعنى الظاهر والمعنى المضمر كما يؤلف بين الواقعي والخيالي. وأنه ويؤثث فضاء التخييل الشعري، ملتمسا من قارئه بلوغ الغاية بالتأويل.. فشعرية اللغة تُبعد النص عن التقريرية، بالتوسل بالاستعارة والرمز كما صارت عليه النصوص التجريبية.
يشتغل القاص على المزج ما بين العقلاني واللاعقلاني، وبين الواقعي والوهمي المتخيل فيظهر الحدث المركزي كأنه شيء واقعي قطعا، لأن لغة القصة الشعرية تدعمه وتقدمه لإقناع القارئ به، فما كان لاواقعيا صعب التصديق، خارج فضاء النص، يُقدّم على أنه واقعي مادام القارئ ولج عالم النص، وهنا تظهر الغرابة التي تقلق النفس أو تدهشها. وكما أن القارئ يتورط في دوامة الحيرة، بحيث يتصور أن العنصر الغرائبي في القصص جزء لا يتجزأ من واقع الشخصيات وهذا حين يتم توظيف الحلم/المنام في السياق كما في قصة "نوابض السرير الحديدي". وهذا نوع من الايهام الذي تبحث عنه القصة القصيرة لتحقيق الجمال الفني الإبداعي، وهو أيضا أحد المدهشات التي تغري القارئ في الارتباط عاطفيا بالنص.
* عوالم الغرابة والإدهاش
تبتدئ المجموعة بقصة "نسر بلا أجنحة"، ومن عنوانها تبدو لنا ملامح الغرابة. فالمألوف (خارج النص) أنه ليس ثمة نسرٌ بلا أجنحة، وهذا في حد ذاته تركيب يستدعي الخيال لتصور المعنى الغائب المراد لذاته، ودلالته يضمرها النص... نجد البطل شاعرا يحلق متنقلا من موضع إلى اخر، ليس على بساط سحري، وإنما بأجنحة الخيال. ثم نرى أن الأسئلة المباشرة التي يطرحها بطل القصة تظل بلا جواب: "وظلت الأسئلة معلقة"ص9، ليس لصعوبة الجواب، بل لعدم قناعة شخصية القصة (الشاعر) بتلك الأجوبة الجاهزة المانحة ذاتها بسهولة، لأن السياق يوحي لنا بأن البطل يبحث عن إنسانيته وعمن يشعره بجدوى وجوده في الحياة، إنها نزعة من نزاعات الانعزال والتشظي النفسي، نقرأ: "شعرت بحاجة ملحة إلى إنسان أو أي حنان يطمئنني على الحياة" ص9. "أريدك أن تفتتني إلى ذرات في التربة/ كل ذرة تحملها الرياح/ وتخلقني متوحدا من جديد"ص8. يبحث عن التطهير النفسي والذاتي في مجتمع تمتلكه الحيرة والضياع ويفقد فيه الفرد الثقة والأمان، ما يجعله يصاب بانفصام وكأنه يعيش بشخصيتين. لهذا فمبرره بحسب النص هو: "قررت أني ضحية مجتمع تعفنت أعرافه وأعراقه"ص8. إنه نوع من التمرد يجعل تركيبة الشخصية النفسية كأنها تنتقم من كل شيء حتى من ذاتها.
في القصة الثانية المعنونة بـ"الإخلاء"، كأني أسمع منها صوت الكتاب، باعتباره بوابة المعرفة والعلم، وسبيل الثقافة... لكن الأسئلة تتناسل: هل هذه القصة تشير إلى معنى مفاده أن المكان الخالي من المعرفة يتحول ويُمسخ إلى مكان للموت؟ أم أن عبارة الإخلاء، مرتبطة بإخلاء المجتمع من الكتاب أي ترحيل الفكر والمعرفة... مما يقابله أيضا الحلم بالهجرة من مكان تُمنع فيه المعرفة إلى آخر أرحب، يوفر رغد القراءة والكتاب والمعارف.. ؟! أي التحرر من ضغوط المجتمع ومن عشوائيته ومن اللاجدواه.
الكاتب ورطنا في هذا النص بتوظيفه المكون العجائبي فزجّ بنا في متاهة القلق قصد فهم مغزى حَدثِ انفجارِ الكتاب، فنطرح أسئلة أخرى: هل الكتاب أيضا يُعتبر مصدرا من مصادر التفجير؟ وكيف؟ هل هو تفجير للمعرفة، أم تحوَّل إلى قنبلة ناسفة تمحو ظلام الجهل؟..
يمكن أن نضع احتمالا اخر، وهو أن نربط النص بسياقه التاريخي وبظروفه الاجتماعية والسياسية أيضا، فقد يكون له أبعاد ذات رسائل خاصة.
إنه كما قلت في البداية، أن النصوص مستفزة للقارئ بشكل يثير تساؤلات مختلفة، ولعل جميع الاحتمالات التي ينتجها الذهن قابلة للطرح، عندما تكون النصوص منفتحة على عدة تأويلات بحسب نظرية التلقى.
ووظف الكاتب تيمة الخيال – أيضا- في قصة "ظمأ"، وبلغة رشيقة ووصف جميل. ثم في قصة "كاتب الديوان" التي تحمل المجموعة نفس عنوانها. بحيث يقدم لنا شخصية كاتب ديوان خرج يبحث عن رجل "تسلل من فتحة النافذة هاربا من أوراق يومياته على غفلة منه ضاعفت من خشيته.."ص19. ثم صار العسس يبحثون عن كاتب الديوان للقبض عليه بتهمة الخيانة بسبب ما قرؤوه في يومياته من أفكار ومبادئ وقناعات تخالف اتجاههم.. إن هذه القصة تتناول قضية تعتبر من القضايا المعاصرة وهي محاكمة الكاتب على إبداعه، فالمحيط الاجتماعي والثقافي والسياسي مازال يمارس ضغوطه -في مجتمعاتنا العربية- على الكاتب ويضيق عليه واسعا، حتى صار يكتب بشيء من الارتياب والحذر.
إن الخيال يخرج النص من رتابة المألوف إلى دهشة الغرابة كما في قصة "طائر الليل"، ذلك الطائر النقار الذي ظل ينقر إلى ما لا نهاية.. نعثر أيضا على المكون العجائبي في قصة "نوابض السرير الحديدي"، حيث يتحدث البطل مع ذبابة، (وهذا النص يذكرنا بالتحول والمسخ عند فرانز كافاكا)، فيرى أشياء تدعو إلى الاستغراب في دوامة من التيه والضياع وما يشبه الدوار.. في النهاية تظهر كل هذه الأشياء على أنها كانت – بحسب والدة البطل- حلما مزعجا تسببت فيه نوابض السرير الحديدي، مع أنه مصر أنها حدثت فعلا.. فهل نصدق افتراض الأم، أن الأحداث كانت حلما، أم نصدق من عاينها (البطل)؟
ويوظف الكاتب فكرة المسخ أو تحول هوية الكائن الإنساني إلى طبيعة أخرى، كنوع من التمرد على أحداث الواقع والحاضر التي عرفت تحولات لا تبعث بالاطمئنان والاستقرار في نفس الإنسان المعاصر، ففكرة التحول ما هي إلا نقد لحالة الاغتراب والإحساس المفرط بالعزلة في عالم صار غريبا ومخيفا، نفرأ: "وشعرت بانتفاضة، بدا لي ثعبان يخرج لسانه ناظرا إلي من خلال هذين الثقبين المضيئين كزجاجتين رأيت فيهما نفسي الضائعة وبهزة كاملة من جسدي تشبثت بفرع آخر هاربا منه في يأس مميت.."ص34
أما الثلاث قصص الأخيرة "عسس الليل" و"منازل الضوء" و"إطار اللوحة"، فهي لم تخرج عن منوال النصوص الأخرى، فتستمر في رحلة ابتكار عوالم متخيلة تنزاح عن دائرة المعقول لتخفف من عبء سلطة المجتمع وضغوطه وأثر تحولاته وتغيراته، لنتأكد في النهاية أننا أمام نصوص تنطلق من الواقع لتأخذ بتلابيب القارئ إلى عوالم التخييل والغرابة والدهشة والفنتازيا.. جذور بتربة الواقع وفروع في عالم العجائبي.
نصوص خليل حشلاف لا تتبنى الواقع وتنقله كما يبدو للرائي بل إنه يُصاغ وفق وعي شخصياته، وفق منظورها للعالم والحياة، وهذا لا يتم إلا بتسلق أبراج الخيال وخوض مغامرة التجريب.
صدرت المجموعة سنة 2012 عن طوى للنشر والإعلام بلندن، وللكاتب رواية بعنوان "عاصفة الجن" صدرت سنة 2013.
1- سورة الأعراف الآية 20
2- قصة ظما، صفحة: 15
3- مغامرة الكتابة في القصة القصيرة المعاصرة -. منشورات اتحاد كتاب المغرب– حسن المودن – ص:7
أظهر الكل ..كاتب الديوان
البنية الزمنية في رواية "معزوفة لرقصة حمراء" لعبد القادر الدحمني.
لا شك أن الزمن في الرواية باعتباره الحاضر، أي حاضر الشخصيات، زمن تجاوره أزمنة أخرى فتجعله يعرف التواءات وتعرجات تارة بالرجوع إلى الوراء عبر تقنية الاسترجاع أو تمديده إلى الأمام كشكل من الاستباق /القفز إلى الأمام.
والاسترجاع، هو حين يعود السارد إلى الأحداث الماضية "فيسردها في لحظة لاحقة لوقوعها"، وله شكلان(1):
- استرجاع خارجي: أي خارج حدود النص، وهي ما سبق ذكره سالفا، فيما يتعلق بأحداث وقعت لحمان ولنجوى.. جاءت ...
البنية الزمنية في رواية "معزوفة لرقصة حمراء" لعبد القادر الدحمني.
لا شك أن الزمن في الرواية باعتباره الحاضر، أي حاضر الشخصيات، زمن تجاوره أزمنة أخرى فتجعله يعرف التواءات وتعرجات تارة بالرجوع إلى الوراء عبر تقنية الاسترجاع أو تمديده إلى الأمام كشكل من الاستباق /القفز إلى الأمام.
والاسترجاع، هو حين يعود السارد إلى الأحداث الماضية "فيسردها في لحظة لاحقة لوقوعها"، وله شكلان(1):
- استرجاع خارجي: أي خارج حدود النص، وهي ما سبق ذكره سالفا، فيما يتعلق بأحداث وقعت لحمان ولنجوى.. جاءت في النص الروائي السابق، وكذلك أيضا ما حدث للخمالي قبل أن يظهر على مسرح الرواية وكانت الغاية من ذلك هو وضع شخصية الخمالي تحت الإضاءة وتبرير ظهوره داخل السياق الذي لعب فيه دورا مهما، ويصطلح على هذه التقنية السينمائية: الفلاش باك.
- استرجاع داخلي: وهو لا يتجاوز حدود نص المعزوفة كأن تستحضر إحدى الشخصيات ما حدث لها أو معها داخل السياق الزمني السابق في النص. ويظهر هذا مثلا في زمن التعارف والتواصل ما بين حمان وأسماء عبر الفيسبوك الذي يمثل بالنسبة لهما الحاضر، وهذا جاء بعد زمن من لقائهما أثناء ذهاب حمان مع خاله الخمالي إلى الحاجب، فالاسترجاع هنا كان يخص حادثة ما بعد اللقاء والتطورات التي جاءت بعده والتي تخص حياة أسماء.
وإلى جانب تقنية الاسترجاع بنوعيها، وظف الكاتب أيضا تقنية الاستشراف وهي تأتي حسب النص على شكل توقعات نفسية للشخصية تتصور حدثا مقبلا، كما حدث لحمان بعد شجاره مع نعيمة –زوجته- وضربها، فكان يتوقع مصيره ومصير مستقبله الوظيفي لو أن والدها الشريف عمر علم بما حدث، وتخيل أيضا ردة فعل خاله(ص308).. رغم أن تلك التوقعات أو هذا الاستشراف بحسب "جنيت" هو خارجي أي قد لا تكون توقعات هذه الشخصية هي ما سيحدث بالضبط.
ويأخذ الحلم أيضا شكل الاستشراف داخل هذا النص، كحلم حمان الذي رأى فيه صديقه سعيد تحت ضربات عصاه في إحدى المظاهرات ظانّا أنه شخص آخر، رغم أن هذا الحلم لم يتحقق في زمن بعدي إلا أنه أثرٌ من الخوف الملازم للوعي واللاوعي عند حمان. الخوف من الاصطدام مع صديقه الذي يحبه.
أما الحلم الذي رآه حمان وهو في السجن، كان يُصور مشهدا خارج النص لحياة حمان قبل وفاة والده حين كان مع إخوته يحتفلون بالعيد، ذلك المشهد الحلمي الذي أبرز أحاسيس الثلاثة الأم/ الأخت مريم/ حمان (ص357/358)، أعتقد أن داخل هذا الحلم سنعثر على استشراف ضمني -بعد الاستقراء- يحيلنا على البعد التحرري للشخصية، أو الشعور بالتحرر من مكبلاته، فهي رؤية استشرافية رمزية لحال الشخصية: "نظرتُ إلى أمي ومريم، ثم نظرت إلى أحمد وحليمة، بمحبة عارمة، وكأنني بنظرتي تلك أستأذنهم في القيام بما أحسسته من قدرة على الطيران، وتنفيذ رغبتي في إثبات ما أستطيعه، وهكذا ارتفعت عن الأرض أمامهم وهم ينظرون إلىّ باندهاش وفرح أقرب إلى عدم التصديق، أحسست بخفة بالغة وبقدرة عجيبة على التحكم في حركاتي واتجاهي، وإمعانا في استعراض قدراتي الجديد، أخذت ألوّح لهم بيدي ثم أتكوّر في الهواء كما أشاء.." ص358
نرى أيضا نوعا آخر من الاستشراف وهو على مستوى تقديم المعطيات التي تسبق حدثا ما، تقديمها عبر وسائل مختلفة كالجرائد والمواقع الإلكترونية، مما يتم توقع حدوث تغير معين، كما يظهر ذلك في الحركة الاحتجاجية التي سميت حركة 20 فبراير(ص369) يقول السارد: "الأمر يتعلق بخيبة عامة، وبرغبة كبيرة تتنامى باضطراد سريع، بضرورة التغيير". هذا الاستشراف يجعل الشخصية الساردة (حمان) تطرح تساؤلاتها وتوقعاتها (ص397).
رشيد أمديون
أظهر الكل ..معزوفة لرقصة حمراء
هوس الحلم اضمامة شعرية متنوعة
عندما يقترن الشعر بالحلم، بالخيال الواسع كبحر ساحله المجاز والاستعارة، حينها تصير العبارة ألذ وأعذب؛ والأجمل أنها تتحول إلى أغنية تطرب الروح وتنعش الوجدان، يصدح بها الشاعر ملء فمه بكل عفوية ورومانسية، وبهوس صوفي يدفعه للتعبير عن ما يجتاحه من هواجس وهموم صغيرة أو كبيرة جزئية أو كلية.. فيترجمها في نصوص ناعمة الحروف ساحرة البيان.
هوس الحلم اضمامة شعرية متنوعة مابين هموم وأحلام وأشواق.. حاولت الشاعرة ليلى مهيدرة أن تعيش معاناة شعوبها وقضاياهم المشتركة، فل ...
هوس الحلم اضمامة شعرية متنوعة
عندما يقترن الشعر بالحلم، بالخيال الواسع كبحر ساحله المجاز والاستعارة، حينها تصير العبارة ألذ وأعذب؛ والأجمل أنها تتحول إلى أغنية تطرب الروح وتنعش الوجدان، يصدح بها الشاعر ملء فمه بكل عفوية ورومانسية، وبهوس صوفي يدفعه للتعبير عن ما يجتاحه من هواجس وهموم صغيرة أو كبيرة جزئية أو كلية.. فيترجمها في نصوص ناعمة الحروف ساحرة البيان.
هوس الحلم اضمامة شعرية متنوعة مابين هموم وأحلام وأشواق.. حاولت الشاعرة ليلى مهيدرة أن تعيش معاناة شعوبها وقضاياهم المشتركة، فليس عيبا أن يطلق المرء العنان لأحلامه مادامت تنشد أغنية الواقع ومهما سبحت في بحر الخيال البعيد، الذي يستمد منه الشعراء قوة المعنى حين تضيق العبارة عن توضيح وتبيان بوح السجية.. لهذا فشاعرتنا حاضرة بكيانها ولم تتجاهل ما يدور حولها، ولم أجد أبلغ تعبير للمعنى الذي أقصده إلا بيت المتنبي الناطق بلسان الحال:
لا تحسبوا أن رقصي بينكم طربا قد يرقص الطير مذبوحا من الألم.
في القصائد التي تحمل هموم الأمة قالت ما فرضه عليها وحي شعرها، وهي مؤمنة بالقضية الكبرى – القضية الفلسطينية- ومهما تناولت قصائدها جزئية معينة من القضية، منها على سبيل المثال لا الحصر (رسالة من طفل فلسطيني و ورسالة إلى مهاجر فلسطيني) فالمعنى يبقى عاما "لان المبدع هو ذلك الشخص القادر على أن يركّب من الصور الجزئية صورة عامة وكلية" أو كما عبر ميشيل ريفاتير "عندما يقول لنا الأدب شيئاً فإنه يقول لنا شيئاً آخر".
في أغلب قصائد هوس الحلم تقمصت شاعرتنا أدوارا متنوعة تماما كالذي يعرض روايات عاطفية فوق خشبة المسرح، لكنه مسرح شعري نسج من حروف مخملية فعانق الحرف الحرف، وكشف الستار عن مشاهد وقصص تبدو من خلف السطور، أو يتخيلها القارئ بمخيلته ويتذوقها بحدسه، ومثلا من بين هذه القصائد: (أه لو تدري..عاد يشكو تجاهلي.. جد ببعض لقياك..) فامتزجت كل ألوان الإحساس في هذا الديوان ما بين الحب والشوق والأنس، والبعد والفراق،والحنين، والصد والهجر.. كلها تجسد حالات العاشق وانفعالات الوجدان المنسجمة أو المتناقضة.
هوس الحلم بساط شعري ساحر يسافر بالعاطفة والروح إلى عالم مليء بالإحساس ويحلق فوق بحار الحب البعيدة ويدور حول جمرته المتقدة؛ وهذا يدل على أن الشاعر له سفينته التي تأخذه خلف هذه الطبيعة المرئية فيصير كصوفي دخل عالمه الخاص فيرى بفراسته ويحس بحدسه ويسمع بأذن قلبه أشياءً لها معاني روحية.. وهذا هو هوس الحلم.
رشيد أمديون
هوس الحلم
رواية شوق الدرويش لحمور زياد تقودنا إلى فترة من تاريخ السودان، ما بين 1881 و1889 إبان ظهور جماعة المهدية - الذي ادعى مؤسسها أنه المهدي المنتظر- التي ثارت ضد الحكم التركي المصري بالسودان، تناولت الرواية هذا الخط التاريخي لتؤسس أحداثها اعتمادا على شخصيات منها ما هو حقيقي ومنها ماهو متخيل، يروي لنا السارد حكاية عاشق سوداني اختارته العبودية ولم يخترها لنفسه كان تائها بين محاولة إثبات حريته كإنسان، اسمه بخيت منديل أحب فتاة نصرانية جاءت مع البعثة الأرثوذكسية إلى الخرطوم قبل سقوطها على أيدي جيش الم ...
رواية شوق الدرويش لحمور زياد تقودنا إلى فترة من تاريخ السودان، ما بين 1881 و1889 إبان ظهور جماعة المهدية - الذي ادعى مؤسسها أنه المهدي المنتظر- التي ثارت ضد الحكم التركي المصري بالسودان، تناولت الرواية هذا الخط التاريخي لتؤسس أحداثها اعتمادا على شخصيات منها ما هو حقيقي ومنها ماهو متخيل، يروي لنا السارد حكاية عاشق سوداني اختارته العبودية ولم يخترها لنفسه كان تائها بين محاولة إثبات حريته كإنسان، اسمه بخيت منديل أحب فتاة نصرانية جاءت مع البعثة الأرثوذكسية إلى الخرطوم قبل سقوطها على أيدي جيش المهدي، اسمها ثيودورا نشأت في الاسكندرية ومن أصول يونانية. ولما دخل جيش المهدية إلى الخرطوم وإخراج المصريين والانجليز منها وقعت ثيودورا أسيرة ثم أصبحت خادمة لتاجر فسماها حواء.. وفي محاولة منها للهرب أمسك بها مجموعة من الأتباع فقتلت، ثم قام بخيت منديل بالانتقام لها فقتل منهم خمسة لكن السادس نجى بسبب سقوط بخيث في الأسر.
تحمل الرواية مجموعة من الرسائل منها:
- العنصرية الاستعمارية، إذ حتي البعثات التنصيرية لها نوازع عنصرية ، تفرق بين البيض والسود..
- الرؤية الاستعلائية ونزعة الاحتقار للمستعمَرين الذين ما هم في نظر المستعمِر إلا بربرٌ أدنى منزلة وقدرا، فرض خطاب استعماري مفاده أن المستعمر هو المخلص والمنقذ...
- استغلال الدين لأغراض سياسية دون أثر للتغيير بل يبقى نفس الوضع: فقر وجوع وأمراض وظلم ومذلة..
- الفهم المغلوط للدين وللقيم الإنسانية انبنى على أساسه خطاب يصبح عقيدة في نفوس السذج والجهلاء...
رشيد أمديون