ماذا تريد؟!
موبايل جديد ذو كاميرا أمامية أفضل كي تستطيع أن تصور نفسك، سيارة جيدة بسعر مناسب، عضلات مفتولة، جسد رشيق، بيت في منطقة غير عشوائية يُفضل أن يكون تجمعًا سكنيًا محاطًا بسور، أطفال أصحاء يتكلمون 3 لغات، وبالتأكيد دخل مناسب لدفع فواتير كل هذه الصور. أحلام وأهداف المواطن الصالح في الحضارة الحالية التي ننشأ ونتعلم ونتسلى ونحب وننجب ونعمل ونموت في رحابها مكلفة حقًا، أليس كذلك! ربما ستعمل معظم ساعات اليوم، معظم أيام الأسبوع، في وظائف لا تستمتع بمعظمها وقد تسافر وتترك أسرتك؛ لدفع فاتو ...
ماذا تريد؟!
موبايل جديد ذو كاميرا أمامية أفضل كي تستطيع أن تصور نفسك، سيارة جيدة بسعر مناسب، عضلات مفتولة، جسد رشيق، بيت في منطقة غير عشوائية يُفضل أن يكون تجمعًا سكنيًا محاطًا بسور، أطفال أصحاء يتكلمون 3 لغات، وبالتأكيد دخل مناسب لدفع فواتير كل هذه الصور. أحلام وأهداف المواطن الصالح في الحضارة الحالية التي ننشأ ونتعلم ونتسلى ونحب وننجب ونعمل ونموت في رحابها مكلفة حقًا، أليس كذلك! ربما ستعمل معظم ساعات اليوم، معظم أيام الأسبوع، في وظائف لا تستمتع بمعظمها وقد تسافر وتترك أسرتك؛ لدفع فاتورة كهذه!
ما المقصود بالمعنى؟
قد يكون كل ما سبق احتياجات مادية مشروعة ومتفهمة ومشتركة لكثير من البشر، ليس فقط في عالمنا العربي الشرق أوسطي، ولكن لكل أبناء الحضارة العالمية الحالية. لكن احتياجات كهذه حتى لو تم تلبيتها، فلن تكون كافية يومًا؛ فالإنسان طبقًا للعديد من الدراسات النفسية* لا يشعر بالسعادة في حياته ما لم يجد لحياته معنى، ولأفعاله غاية.
فطوال تاريخه، آمن الإنسان بديانات استطاعت أن تواسيه وتسد احتياج الإنسان الغريزي للمعنى. يجد من خلالها إجابات عن أسئلته الكبرى (من أين جئنا؟ لماذا نحن هنا؟ إلى أين سنذهب بعد الموت؟ كيف نعيش حياة صالحة؟ كيف نصل للحكمة والخلاص من مخاوفنا وهواجسنا؟) بعض هذه الديانات سماوية حيث يتواصل كيان إلهي/متعالٍ مع الإنسان، وبعضها أرضي متولدة من تفكير الإنسان وتجربته الروحية والفكرية الذاتية للوصول إلى ما هو إلهي/متعال.
ماذا يريد الإنسان على الجانب الأخر من المادة؟!
يريد أن يشعر بأنه مفهوم ومحبوب، وأنه لن يعيش وحيدًا. ومع يقينه من أنه فانٍ، إلا أنه يريد أن يتغلب على خوفه من الموت، يريد أن يتأكد من أنه سيكون خالدًا بشكل ما، هنا في الدنيا بالإنجاب والسيرة الطيبة أو الشهرة والأعمال البطولية أحيانًا، وبعد موته أيضاً في عالم أخروي لا موت فيه! يريد أن يشعر بتلك الطمأنينة، يريد أن يعتقد في قيم ومعاني متجاوزة لحياته نفسه، حتى أنه قد يضحي من أجلها وفي سبيلها، ذلك هو الخلاص الوحيد، الخلاص الذي سينجيه من قلق الحياة وتسرب الزمان من بين أصابعه، من هواجسه بشأن فنائه وفناء كل ما يعرف ويحب!
ما هي الأزمة إذًا؟
https://www.sasapost.com/opinion/crisis-of-meaning2/
ثم أن كل ما هو يساعد على الحياة ويضفي الحيوية والنمو على الأشياء نطلق عليه إيجابي وجيد والعكس نطلق عليه سلبي وسيء !!
الأول فعل يضيف في اتجاه الحياة والأخر يقاوم في عكس اتجاهها !
ولكي يحدث ذلك يجب علينا أن نتجاوز كل ما هو أمامنا حتى تمر الحياة من فوق أجسادنا كجسر تستهلكنا وتستخدمنا الحياة لتعيش من خلالنا وتعبر.
آلاف الأجداد بداخلنا.. صفاتهم وعاداته ... الحياة تحب الأقوى والأكثر إيجابية والأفضل والأجمل بغض النظر عن النظرة الأخلاقية النسبية للأمور.. الحياة تسعى للازدهار والكثرة والنمو..
ثم أن كل ما هو يساعد على الحياة ويضفي الحيوية والنمو على الأشياء نطلق عليه إيجابي وجيد والعكس نطلق عليه سلبي وسيء !!
الأول فعل يضيف في اتجاه الحياة والأخر يقاوم في عكس اتجاهها !
ولكي يحدث ذلك يجب علينا أن نتجاوز كل ما هو أمامنا حتى تمر الحياة من فوق أجسادنا كجسر تستهلكنا وتستخدمنا الحياة لتعيش من خلالنا وتعبر.
آلاف الأجداد بداخلنا.. صفاتهم وعاداتهم محفورة في جيناتنا.. آلاف الأجيال تعيش تحت جلودنا، نحملها داخلنا تصرخ فينا لنسعى لتجاوزها..
الأب والأم يريدون إنجاب أولاد أفضل منهم ومن آبائهم.. ينجبوا ثم يكبر أولادهم بينما هم يضعفوا.. وكأن الحياة تتجاوزهم وتمر من خلالهم لأولادهم.. وعند سن معين يتمرد الأولاد عليهم في محاولة لتجاوزوهم بدورهم. بعد ذلك وعند خروجهم للحياة العملية يسعى النشء لتجاوز وعبور وسبق كل ما حولهم: زملائهم وحتى الأساتذة في المدرسة والكلية، أقران العمل، الجيران والأقارب، العادات والتقاليد المستقرة ضد فكرة ماردة التي تتحول بعد فترة هي نفسها لعادات وتقاليد مستقرة لتأتي فكرة ماردة أخرى تتحداها وتتجاوزها..
الشد والجذب والقوة والمقاومة تخلق قصص وتجارب تعلم وتترك آثارها حتى يتتبعها كل جيل جديد ليتجاوز مرة أخرى ما قام آباءه بتجاوزه من قبل وهكذا في دورات لا نهائية.
نذاكر ونعمل ونسافر بطرق شرعية أو غير شرعية ونفعل ما لا نريده أحياناً.. ونقتل ونكدب ونسرق..الخ، وبالعرق والدم نتخطى العوائق في طريق تجاوزنا، الذي يشكل حياتنا في النهاية.
وفي كل مرة تهدم الحياة كل ما شيده الإنسان أو كما قال ريلكه: "هذا العالم نشيده فينهار، ثم نشيده ثانيةً فننهار نحن !" وكأن الحياة تجعل من أجسادنا وأعمالنا في النهاية سماد للأرض التي بارت من أثر ما تركته خطواتنا الغشيمة عليها، لتعيد -الحياة- الكَرَّة وتتجاوز كل هذا من جديد !
فكأن الحياة في النهاية هي ممارسة لا نهائية لفعل التجاوز. أظهر الكل ..
كان يقول أن من الحكمة أن يترك الشخص منزله ويذهب بعيداً كل فترة..
فالحياة منازل ومقامات نتنقل بينها..حركة لا سكون فيها.
كان يقول أنك لا ترى الأمور على حقيقتها أبداً مادمت تعيش بها ومن خلالها.
ذات يوم جمعنا الحطب وعندما رجعنا للمخيم كان المساء قد حل دون أن ألحظ غياب الشمس الشتوية التي نزعت الغيوم هيبة أشعتها طوال النهار فبدت كقرص عاري أملس ينظر إلينا من خلف السحب في خجل!
أشعلنا النار، شعرت بالدفئ، ... كان الجد يأخذنا إلى مخيم خارج القرية على أطراف بقايا الغابة القديمة من حين لأخر.
كان يقول أن من الحكمة أن يترك الشخص منزله ويذهب بعيداً كل فترة..
فالحياة منازل ومقامات نتنقل بينها..حركة لا سكون فيها.
كان يقول أنك لا ترى الأمور على حقيقتها أبداً مادمت تعيش بها ومن خلالها.
ذات يوم جمعنا الحطب وعندما رجعنا للمخيم كان المساء قد حل دون أن ألحظ غياب الشمس الشتوية التي نزعت الغيوم هيبة أشعتها طوال النهار فبدت كقرص عاري أملس ينظر إلينا من خلف السحب في خجل!
أشعلنا النار، شعرت بالدفئ، كنت أحدق في الشرر المتطاير حين أشتعل خيالي، واستغرقتُ في التفكير في البدايات، وفي المستقبل..
-جدي، أخبرني عن نهاية العالم..
أحكي لي قصة موت الإنسان، والبشر المسوخ الذين ينقسمون إلى جماعات تحمل كل جماعة منهم علم ويكون لكل منهم نشيد يدعوا فيه لقتل الجماعة الأخرى.
= لا، اليوم سأخبركم عن ميلاده..
حدث ذلك حينما كان يمشي وحيداً بعد أن جف الوقود من ثدي الأرض بعشرات السنين، الآلات، المركبات، الأسلحة التي طالما حارب بها، كل شيء صنعه الإنسان المسخ القديم أصبحت شاخصة أمام عينيه كصنم أنتهى وقت عبادته وأوشك أن يتحطم لبزوغ دين جديد. رأى الأرض اليباب وقد امتدت أمامه مدى البصر، شعر بالبرد والوحدة، لم يجد حتى مرآة ينظر إليها فيأتنس بصورته، ورأى ذلك غير حسن، انحدرت من عينه دمعة على الأرض، فإذا به يرى جثة وردة، وكأنه قد فهم كل شيء في دفقة واحدة، بلا كلام وبدمعة واحدة. لقد خسر معركة عنفوانه وساقته الأنانية والرغبة في الاستحواذ إلى الكراهية التي قضت على الأخضر واليابس، على الواقع والحلم، الكراهية طعنت الحياة لتعلن انتصار الخوف. لكن كعادتها، وفي أخر المناطق التي قد تخطر ببالك تنبت الحياة من جديد في قلب أحدهم، وعندما شعر بها في قلبه، رأى ذلك حسن.
كانت تلك هي لحظة الميلاد يا بني. أظهر الكل ..
فتركتها وعادت تدور.. أظهر الكل ..
سنتمنى لو اننا نستطيع أن نفعل لاحقاً!
ولكن بعد أن يُنضب الندم عقولنا في تمني أنها لم تكن من الأساس !
لم يكن يعرف .، ولكنه الأن يعرف !!
أخبرته أنه ذكي .. وأنه يستحق مكانة أفضل .. حال أفضل !
- لماذا لم تسافر ؟!
كطفل ذو ٣ سنوات لا يستطيع تهجئة حروف اسمه أجابها
- لا اعرف ماذا يمكن ان أفعل هناك !
نظرت له نظرة تقول فيها بملئ عينيها العسليتين يالك من أحمق !
أخبرته عن فراغها القاتل الدائم ،، وأخبرها عن غرقه ف ... تعالي فالنصنع معاً بعض الذكريات .. ذكريات لا تنسى ..
سنتمنى لو اننا نستطيع أن نفعل لاحقاً!
ولكن بعد أن يُنضب الندم عقولنا في تمني أنها لم تكن من الأساس !
لم يكن يعرف .، ولكنه الأن يعرف !!
أخبرته أنه ذكي .. وأنه يستحق مكانة أفضل .. حال أفضل !
- لماذا لم تسافر ؟!
كطفل ذو ٣ سنوات لا يستطيع تهجئة حروف اسمه أجابها
- لا اعرف ماذا يمكن ان أفعل هناك !
نظرت له نظرة تقول فيها بملئ عينيها العسليتين يالك من أحمق !
أخبرته عن فراغها القاتل الدائم ،، وأخبرها عن غرقه في الدراسة !
أخبرته عن لعبها ومرحها ، وأخبرها عن يأسه واكتئابه !
كانت تحدثه عن الحياة ، كانت هي الحياة ،، كان يحدثها عن الحيرة والموت ،، كان هو الموت !
الوحدة سخيفة بلا شك .. والأسخف منها أن تكون بعد أنس !
لم يكن يعلم .. إنه الأن يعلم !!
بدا الأمر في بدايته وكأنه يسقط في منحدر ..
لن تستطيع أن تمنع نفسك من السقوط إذا ما كنت في وسط المنحدر .. هل تستطيع ؟!
كان يجب أن يكون لهذا المنحدر قاع .. الأن هو في القاع .. لكنه لا يعلم ذلك بعد !
لم يعد يعرف !!
"
أنت تحبها .. أنت تعرف ذلك جيداً
فأنت لا تستطيع أن تخرجها من رأسك
ربما هو فقط سوء تفاهم
ربما هو فقط رغبة في الإمتلاك والسيطرة
إن حصلت عليها أكون قد انتصرت
انتصرت عليهم جميعاً
ولكني أكون قد خسرت نفسي في ذات الوقت
ياله من اختيار
لكنك لن تفعل .. لا تستطيع أن تخسر نفسك
أخيراً وجدت دليل على أني أحب نفسي
يالها من فرحة ناقصة
لقد انهزمت ولكني عرفت نفسي
وجدتها وحيدة عارية ترتعد كقطة خائفة
نفسي ذلك الحيوان الأليف الخائف أحياناً
نفسي ذلك الوحش الغادر الحبيس أحياناً أخرى
استطيع أن أراكِ الأن .. ولن أدعك
يجب أن أتعايش مع تلك الحالة
يجب ! .. كم أكره تلك الكلمة !!
"
كان بإمكانه أن يكون أي شئ يريده ..لكنه لم يفعل !!
كان بإمكانه أن يعيش .. لكنه أصر على أن لا شئ يستحق أن نعيش من أجله !!
كان بإمكانه أن يختار الحب .. لكنه اختار الصواب بدلاً من ذلك !
الحب يُجلب الألم في النهاية .. ربما نهايته هو !
ربما يكون في يديك أن تكون تعيساً او راضياً
ربما تكون حالتك النفسية هي قرارك
ولكنك لن تستطيع أن تغير من الواقع شئ ! أظهر الكل ..
كزنتزاكيس (1883 : 1957) كاتب يوناني كبير أشهر أعماله رواية زوربا اليوناني.
هو كتاب فلسفي بلغة صوفية شعرية بديعة مليئة بالصور والخيال
النصوص تأتي كفقرات قصيرة منفصلة العبارة ومتصلة المعنى.
يبدأ الكتاب بمدخل قصير يعرض فيه رؤيته عن الإنسان الذي أتى من هاوية مظلمة وسينتهي إلى مثلها.
وبينهما تلك المسافة المضيئة التي نسميها الحياة –التيار الصاعد- والتي تتصارع داخل كل الكائنات الفانية مع التيار المق ... دائماً يُعرف هذا الكتاب على أن أفكاره ومحتوياته هم إرهاصات أعمال "كزنتزاكيس" الاحقة.
كزنتزاكيس (1883 : 1957) كاتب يوناني كبير أشهر أعماله رواية زوربا اليوناني.
هو كتاب فلسفي بلغة صوفية شعرية بديعة مليئة بالصور والخيال
النصوص تأتي كفقرات قصيرة منفصلة العبارة ومتصلة المعنى.
يبدأ الكتاب بمدخل قصير يعرض فيه رؤيته عن الإنسان الذي أتى من هاوية مظلمة وسينتهي إلى مثلها.
وبينهما تلك المسافة المضيئة التي نسميها الحياة –التيار الصاعد- والتي تتصارع داخل كل الكائنات الفانية مع التيار المقابل لها -الهابط- وهو الموت.
بعد ذلك يعرض الكاتب وجهة نظره واضعاً ثلاث واجبات على الإنسان العمل بها أثناء تفاعله مع هذا الصراع.
يقول كزنتزاكيس :"لا أقبل الحدود..ولا تسعني الظواهر.. إني اختنق!!
فلتعش تلك المعانات العميقة ذلك هو واجبك الثاني"
ثم ينتقل الكاتب في فصل "المسيرة" لتفنيد تلك المعاناة والنزعات والرغبات الداخلية للإنسان..
تلك الأصوات التي تتنازع في داخله
بين الفضيلة والتوحش..
ذلك الصوت الذي يصرخ "النجدة" ويطلب منه الصعود إلى أعلى..
شره الإنسان-أفراد وشعوب- وطمعه..رغبته في الاستحواذ..
ثم يفنى تاركاً كل ذلك وراءه..
في الفصول التالية التي يسميها الكاتب سلالم أو عتبات..
يفصل لنا الكاتب الطريق إلى أعلى
السلم الأول:أنا
السلم الثاني:السلالة
السلم الثالث: الإنسانية
السلم الرابع: الأرض
يقول كزنتزاكيس:"إننا لا نناضل من أجل أنفسنا ولا من أجل عرقنا ولا من أجل الإنسانية أو الأرض أو الأفكار .. لأن ذلك لا يعدو كونه درجات مؤقتة وعزيزة من سلم الإله الذي يصعد..وهي درجات تتحطم حال أن يطأها الإله أثناء صعوده."
أثناء قراءتك ستلمح نبرة داروينية تظهر في رؤية الكاتب للكائنات المتصلة طبيعياً ومتحدرة من أصول مشتركة.. بل ويتخطاها بفكرة أن كل هؤلاء الأسلاف لايزالون بداخلنا وأصواتهم تحدد مصيرنا..
كما ستلمح أيضاً نبرة متأثرة بالديانة المسيحية بالطبع في ميله لتجسيد وتصوير الإله !
تتضح تلك النظرة بشدة في الفصول التالية:
العلاقة بين الإنسان والإله
العلاقة بين الإنسان والإنسان
العلاقة بين الإنسان والطبيعة
السكينة
حيث يصف كزنتزاكيس الإله قائلاً:
"إلهي ليس كلي الطيبة..إنه مليء بالقسوة والعدالة المتوحشة."
"إنه قوة تتسع لكل شيء وتلد كل شيء..تلد الأشياء جميعها وتحبها ثم تمحوها."
"إلهي يناضل بلا أدنى يقين..هل سينتصر؟هل سُيهزم؟.."
"ليس الإله هو الذي سينقذنا..وإنما نحن الذين سننقذه.."
"أنا وإلهي فارسان نسير تحت وهج الشمس الحارقة..أناديه يا قائدي فيدير رأسه نحوي..وحين ألحظ معاناته تنتابني القشعريرة."
قد يثير هذا حفيظة الكثير من المؤمنين بالأديان السماوية عامةً ..والمسلمين خاصةً لأننا نؤمن بأن الله عز وجل خارج النسق الكوني..بينما ما سماه الكاتب بالإله داخل النسق متفاعل به ومعه كقوة جزء منه.
لكني أرى أنه ربما خانه اللفظ عندما أشار لتلك القوة بأنها الإله..
يمكنك استبدال كلمة الإله مثلاً بالحياة أو الأيام في العبارات السابقة وستجد أنها تؤدي نفس المعنى الذي يقصده الكاتب.
يمكنك أن تفهم ذلك من قوله :
"لقد شاهدنا الدورة العليا لقوى الدوامة اللولبية وهي الدوامة التي أطلقنا عليها إسم الإله..كان يمكننا أن نعطيها أي إسم آخر من بين أسماء عدة مثل:الهاوية..السر..الظلام المطلق..النور المطلق..المادة..الروح..المآل الأخير..اليأس الأخير..الصمت."
الحقيقة أن المصطلحات والأسماء لا تستوقفني كثيراً خاصةً عندما يستخدمها فيلسوف شاعر جامح مثل كزنتزاكيس.
في النهاية هو كتاب من أفضل ما قرأت..كتاب جامح وطموح وأصيل بالنسبة لعصره –أوائل القرن العشرين-يحتاج منك أن تستخلص المعنى لا أن تقف عند اللفظ.
وأعتقد أنه من الكتب القليلة التي سوف أقرأها أكثر من مرة. أظهر الكل ..
تصوف - منقذو الآلهة
يستقبله الماتدور وتهدر الجماهير في صخب..
وبحركات أستعراضية يهز الستار الصغير أمام الثور
"تعال..إني أتحداك.."
"أتعلم ماذا أحجب عنك؟!"
"أتعلم ما الذي يقبع وراء الستار؟!"
"إنها الجنة .. فتعال إن كنت تظن أنك جدير بها"
تهتف الجماهير في حماس حين ينجح الماتدور في خداع الثور دون أن يتأذى وفي نفس الوقت يغرز سكيناً في ظهره..
مرة تلو مرة.. وحين ينجح الثور أخيراً في طعن الماتدور أو حين ينتهي العرض ويستسلم الثور لجراحه ويجهز عل ... يخرج الثور من قفصه مهتاجاً وهو يخور إلى الساحة..
يستقبله الماتدور وتهدر الجماهير في صخب..
وبحركات أستعراضية يهز الستار الصغير أمام الثور
"تعال..إني أتحداك.."
"أتعلم ماذا أحجب عنك؟!"
"أتعلم ما الذي يقبع وراء الستار؟!"
"إنها الجنة .. فتعال إن كنت تظن أنك جدير بها"
تهتف الجماهير في حماس حين ينجح الماتدور في خداع الثور دون أن يتأذى وفي نفس الوقت يغرز سكيناً في ظهره..
مرة تلو مرة.. وحين ينجح الثور أخيراً في طعن الماتدور أو حين ينتهي العرض ويستسلم الثور لجراحه ويجهز عليه الماتدور..لا يهم..ففي الحالتين تتأوه الجماهير الملتاعة لنشوة الدماء السرية التي دفعت ثمنها جيداً على باب العرض.
أنت هو الثور والماتدور والجماهير والساحة...
أنت هو العرض ! أظهر الكل ..
وكأني أتجرع روح كازنتزاكس..
ذلك الشقى !!
أستطاع أن يحيى إلى الأبد بين دفتي كتاب..
كازنتزاكس أديب وفيلسوف يوناني كبير.
إذا أردت أن تقابله..أن تحادثه ويحادثك .. أن يخبرك بتفاصيل هواجسه ووساوسه..
أفكاره وصراعاته الفكرية ..فليس عليك إلا أن تفتح الكتاب لتجده شاخصاً أمامك بروحه وقلبه.
كأن الكتاب باب سحري ينفذ إلى مكان وزمان وحياة كاملة كاملة لشخص أخر يشبه ذلك الباب في فيلم
Being john malcovech
ستفتح الكتاب لتجد نفسك داخ ... أي نسائم بهجة صافية هبت علي من هذا الكتاب !!
وكأني أتجرع روح كازنتزاكس..
ذلك الشقى !!
أستطاع أن يحيى إلى الأبد بين دفتي كتاب..
كازنتزاكس أديب وفيلسوف يوناني كبير.
إذا أردت أن تقابله..أن تحادثه ويحادثك .. أن يخبرك بتفاصيل هواجسه ووساوسه..
أفكاره وصراعاته الفكرية ..فليس عليك إلا أن تفتح الكتاب لتجده شاخصاً أمامك بروحه وقلبه.
كأن الكتاب باب سحري ينفذ إلى مكان وزمان وحياة كاملة كاملة لشخص أخر يشبه ذلك الباب في فيلم
Being john malcovech
ستفتح الكتاب لتجد نفسك داخل عقله وقلبه وتحت جلده !!
ترى بعينيه وتسمع بأذنه وتفكر بخلايا مخه وتشعر بخلجات فؤاده..
حياة كاملة عشتها بهذا الكتاب..
أحب كثيراً ذلك الشعور الجيد الذي ينتابني عند قرائتي للسير الذاتية والذي يشبه -كما أظن-ذلك الشعور بالرضا عندما يمتص دراكولا دماء ضحيته..أو عندما يقوم كائن أسطوري ما بأكل أرواح ضحاياه.
البهجة الصافية النابعة من صدق المؤلف مع القارئ في مشاركته أسراره وأسئلته وأدق تفاصيل حياته العاطفية والفكرية..
هذا هو الكتاب الثاني لكازنتزكس الذي أقرأه وللمفارقة كان الكتاب الأول (تصوف-منقذوا الآلهة) يحتوي على بواكير أفكاره الفلسفية ورؤيته للعالم في مطلع مسيرته الأدبية..أما التقرير فقد كتبه في نهاية حياته.
ووجدت أن كازنتزاكس كان شديد الإخلاص لأفكاره الذي بدأ بها وعاش بها..
وكأن الكتاب الأول كان النظرية وهذا الكتاب هو التفصيل والعرض والتجربة والنتيجة !
هناك عدستان يرتديهما كازنتزاكس طوال الوقت ينظر للعالم من خلالهما..المسيحية (المسيح) والميثولوجيا الإغريقية (هوميريوس)..عاش بهما وكتب بهما تقريره إلى جده (إل غريكو).
وعندما تتوحد معه..عندما يطرح نفس أسئلتك وتشعر بحيرته واضطرابه الذي لا يختلف عنك كثيراً..حينها يأخذك من يدك لرحلة..رحلة صعود..الصعود إلى أين ؟!
رحلة صعود تمتد خلال عمر كازنتزاكس بالكامل ..وهناك أربع عتابات أو محطات لهذا الصعود
(المسيح – بوذا - لينين - أوديسيوس) ولا يمكن إغفال دور نيتشه في صعوده وتكوين ذوقه وحياته الفكرية..
لم يستطع كازنتزاكس قط أن يرى المسيحية تماماً كما يراها المؤمنون..على الرغم من نشأة كازنتزاكس وسط بيئة مسيحية أرثوذكسية متمسكة بالدين وقد زاد من حدة هذا التمسك أن كريت وقتها كانت لا تزال تابعة للحكم العثماني المسلم..وربما لهذا السبب ولإحساسه بالعداء الفطري تجاه المحتل الذي يحاربه ويسعى للتخلص منه لم يلتفت كثيراً للفكر الإسلامي ومع ذلك فهو يحمل ذكريات حميمية لجيرانه الأتراك وللتكيات التي كانت موجودة حين إذ..لكنه استخلص من معاناة المسيح قيمتين هامتين هما الكفاح والصعود !
لكن المسيح/الدين لم يكن كافياً فتركه وصعد.
اصطدم في باريس بنيتشه..عدو المسيح..الشيطان بدمه ولحمه.
علمه نيتشه ألا يثق بأي نظرية متفائلة..وأن عليه أن يرفض العزاءات كلها الآلهة والأوطان والأخلاق.
أخبره أن الحقيقة مميتة ولكنها أسمى من كل الكذبات.
وأن الإله قد مات وحان الوقت للإنسان المتفوق(السوبرمان) أن يستلم زمام الأمور..ذلك هو الحل.
أصابت تعاليم نيتشه كازنتزاكس بالدوار..لم يفق إلا عندما رأى السوبرمان يضرب بالطائرات في الحرب العالمية الأولى..حينها أدرك أن نيتشه قد أخطأ..سار نيتشه في الطريق الوعر وحده وعندما نظر للهاوية في عينيها مباشرة أصابه الجنون..كان الوقت قد فات على أن يستعيد كازنتزاكس قدرته على الرجوع للإيمان المسيحي التقليدي.نظر للوراء خلسة وقلبه ينبض من فرط الإثارة والقلق وهو يدرك أن هناك درجات أخرى يجب أن يكافح ليصل لها..فتركه وصعد.
كان بوذا هناك في الأعلى يرمق الأفق بنظرة صافية ويبتسم وهو يمد يده لمن يطلب المساعدة في وقار.
وجد كازنتزاكس أن بوذا بذهنه المتوقد وروحه الطاهرة قد رأى التفاهة -على حد تعبيره- رأى بوذا دورة الحياة..رأى الآلهة تتناثر كالرمال وسط الريح فامتلأ بالشفقة على نفسه وعلى الموجودات.
هناك الكثير من الألم في هذا العالم. فاعتزله.
وأوشك كازنتزاكس أن يترهبن..إلى أن قابل تلك الفتاة الألمانيا الشيوعية.أهانته ووبخته وجعلته يزور أحياء البروليتاريا الفقيرة..شعر كازنتزاكس بالخزي والعار من غرقه في تأملات وصراعات فلسفية مجردة وأمامه كل هذا العذاب البشري من اللحم والدم والعرق.
لم يروي بوذا ظمأه فقد كان يحتاج شيئاً أكثر مادية وعملية من تعاليمه.فأشاح بوجهه عن بوذا وهو يضطرب.وتركه ليكمل رحلته ويصعد.
وجد ما كان يرنو إليه هناك في روسيا عند لينين..
ما الفائدة من معرفة الله أو عدمه مع وجود كل هذا الظلم والجوع وكل هذه المآسي والعذابات ؟!
هكذا قال لنفسه كازنتزاكس وهو يرى الشتاء القطبي والكنائس والكرملين أثناء احتفال الشعب الروسي بذكرى الثورة. سحرته روسيا وشعر أن كفاحها كفاحه وأنهما يصعدان معاً..كان منبهراً بلينين..لكن استالين خيب آماله..عندها شعر كازنتزاكس بالتعب فقرر العودة إلى وطنه..فترك روسيا وصعد.
كان أمامه يلهو يرقص لم يقرأ كتاباً قط على الأرجح ويهزأ من كل شيء. إنه زوربا.
وجد أخيراً كازنتزاكس ضالته في هذا الشخص..وجده وقد انسجم مع العالم.
كان أب وصديق. قال في نفسه إن زروبا هو الحل..وعندما مات حزن عليه حزناً شديداً. وكتب العمل الأدبي الشهير خوفاً عليه وحفظاً له وتخليداً لوجوده.
كان أوديسيس هو أخر عتباته التي صعد عليه. الإنسان الماكر في مواجهة الآلهة ولكنه أيضاً التائه العائد إلى وطنه أخيراً.
شعر كازنتزاكس بأن عليه واجب يجب أن يؤديه لم يعرف ما هو بالضبط..لكنه لم يكن يقدر على فعل أي شيء أخر سوى الكتابة.. كان أحياناً يشعر بالخزي عندما يتذكر أباه وأجداده المحاربين. ولكن كانت الكتابة هي خلاصه.
فشرع في كتابة مذكراته ولكنه لم يعرف من يٌخاطب ؟!
أيخاطب نفسه ؟!
الإله الذي بحث عنه ولم يتبينه علة وجه اليقين على الرغم من اعتقاده أنه كان معه وانه بحث عنه بينما كان ينظر إليه مباشرةً !
أباه الذي كان يحترمه ويخشاه وشعر بالحرية عندما مات.
أم النساء اللاتي أحبهن وتأثر بهن أكثر من أي شيء أخر.
أم وطنه..
لم يجد كازنتزاكس سوى جده الرسام ( إل غريكو). صحيح أن هناك قرنين من الزمان بينهما إلا أنه شعر أنه سار في نفس الطريق وأنه وحده من يستحق أن يقدم له التقرير.
مات كازنتزاكس في ألمانيا ونقل رفاته في النهاية لكريت بعد أن رفضت الكنيسة الأرثوذكسية تشيعه وكُتب على قبره بناءاً على وصيته مقولة لطاغور كما أعتقد : "لا آمُل في شيء، لا أخشى شيءًا، أنا حر"
يبدو أن كازنتزاكس لم ينل الوقت الكافي لإنهاء تقريره كما أراد..ولكن زوجته الأخيرة جمعت رسائله ومذكراته ليصبح التقرير كما هو الأن..رحلة صعود.
أكان الصعود إلى الخلاص أم الهاوية ..لله أم هو فقط الموت !!
تسير خلفه وهو يصعد بك لقمة الجبل أو لأعلى ما استطاع هو أن يصل. ستنظران معاً للهاوية ثم سيجعل من نفسه درجة أخر أو جسر لصعودك. ويودعك!
هذا هو الواجب الذي ظل يبحث عنه ودأب على فعله حتى موته. أظهر الكل ..