من اجمل ما قال الشاعر السوداني ادريس جماع ومن اجمل القصائد في القرن العشرين :
أعلى الجمال تغار منّا
ماذا عليك إذا نظرنا
هي نظرة تنسي الوقار
وتسعد القلب المعنّى
دنياي أنت وفرحتي
ومنى الفؤاد إذا تمنّى
أنت السماء بدت لنا
واستعصمت بالبعد عنّا
هلا رحمت متيماً
عصفت به الأشواق وهنا
وهفت به الذكري
وطاف مع الدُجى مغنىً فمغنى
هزته منك محاسن
غنّى بها لما تغنّى
آنست فيك قداسة
ولمست فيك اشراقاً وفنّا </ ...
من اجمل ما قال الشاعر السوداني ادريس جماع ومن اجمل القصائد في القرن العشرين :
أعلى الجمال تغار منّا
ماذا عليك إذا نظرنا
هي نظرة تنسي الوقار
وتسعد القلب المعنّى
دنياي أنت وفرحتي
ومنى الفؤاد إذا تمنّى
أنت السماء بدت لنا
واستعصمت بالبعد عنّا
هلا رحمت متيماً
عصفت به الأشواق وهنا
وهفت به الذكري
وطاف مع الدُجى مغنىً فمغنى
هزته منك محاسن
غنّى بها لما تغنّى
آنست فيك قداسة
ولمست فيك اشراقاً وفنّا
ونظرت في عينيك
آفاقاً وأسراراً ومعنى
وسمعت سحراً يذوب
صداه في الأسماع لحنا
نلت السعادة في الهوي
ورشفتها دنّاً فدنّا .. !
أظهر الكل ..٢٥ يونيو ٢٠١٤ · دبي
قادني حب الاستطلاع في أحد المساجد بالشارقة ، لجماعة تجلس بعد صلاة العشاء ، حيث دنوتُ واقتربت منهم فإذا بهندي الجنسية يعطيني مصحفاً للقرآن الكريم ، ويطلب مني بلغة عربية ( مكسرة) وبعض الكلمات الإنجليزية طالباً مني أن أسمِّع له آياتٍ من القرآن الكريم قبل أن يحضر الشيخ كمراجعة له قبل أن يسمِّع للشيخ نفسه ، تملكني العجب ، ثم الحيرة والحسرة ، وأنا أتابع قراءته فهو يجاهد مجاهدة عظيمة ، لكي يخرج الحروف من مخارجها ، ثم اجتهاده في التجويد ما أوتي الى ذلك سبيلا ، مخيلتي قادتن ...
٢٥ يونيو ٢٠١٤ · دبي
قادني حب الاستطلاع في أحد المساجد بالشارقة ، لجماعة تجلس بعد صلاة العشاء ، حيث دنوتُ واقتربت منهم فإذا بهندي الجنسية يعطيني مصحفاً للقرآن الكريم ، ويطلب مني بلغة عربية ( مكسرة) وبعض الكلمات الإنجليزية طالباً مني أن أسمِّع له آياتٍ من القرآن الكريم قبل أن يحضر الشيخ كمراجعة له قبل أن يسمِّع للشيخ نفسه ، تملكني العجب ، ثم الحيرة والحسرة ، وأنا أتابع قراءته فهو يجاهد مجاهدة عظيمة ، لكي يخرج الحروف من مخارجها ، ثم اجتهاده في التجويد ما أوتي الى ذلك سبيلا ، مخيلتي قادتني قهراً لكي آخذ جولة ، وأعقد مقارنة سريعة بين حالنا نحن الذين ولدنا واللغة العربية ( لغة القرآن) تجري فينا مجرى الدم ، وبين قوم لا يحسن بعضهم أن يقول جملتين صحيحتين ، ورغم ذلك يجاهد في التعلم والحفظ ، نحن في نعيم يحسدنا الآخرون عليه ونحن ملهيين بالنعيم الزائل ، كنا لا نتذكر متى فتحنا المصحف آخر مرة ، كنا نسمع صوت المؤذن فنتجاهله وكأنّ ( حي على الفلاح ) لا تخصنا ، وإنما هي لآخرين ، فنصلي منفردين بعد ساعات من الوقت ، لنسهل الطريق لوسوسة الشيطان فيعطينا كل البرنامج والخطوات المقترحة للقيام بها بعد نهاية الصلاة ، كنا في يوم الجمعة لا نتحرك صوب المسجد ما لم نسمع الأمام وهو يبدأ بالخطبة ، والبعض منا يعرف بأن الامام يتأخر في خطبته فما أن يبدأ إلا وتجده يدخل الحمام لكي يجهز للصلاة ،، وكأننا نتسابق مع بعضنا في التأخير وليس التبكير ، وكأننا قد زهدنا من زيادة الحسنات .. فالحمد لله أن الغربة أهدتنا أعظم مكتسبات ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين ..) .
بعد أن خلص وانتهى صاحبي شكرني ، ولا يعلم بأنه أنا من علي أن اشكره لكل خاطرة جالت بخاطري ..
أظهر الكل ..كثيراً ما تأخذنا الحياة في مناحيها ، وتغرينا بملذاتها ومطايبها ، فيضعف ايماننا ،وننسى أنفسنا ، فنقع في براثن الأخطاء والسقطات ، وهي متعددة ومتغيرة ،، فنكبو حيناً ، ونقاوم احياناً ، و نصبر أحايين كثيرة ، ثم ننتبــه ، وكأننا قد صحونا من حلم مزعج ، بلغ بنا التعب أجله ، وكأننا نحمل أثقالاً على كاهلنا ، يبدأ عمل الضمير في التأنيب ، فيحط من اقدارنا ، ويظهر لنا انفسنا بأنها صغيرة ودنيئة ولا تساوى شيئاً ، ثم تأتي المقاومة المضادة لتفند وتعطي الذرائع ، فتبدأ أنفسنا في تجميع شتاتها لتستقيم وترجع ثقت ...
كثيراً ما تأخذنا الحياة في مناحيها ، وتغرينا بملذاتها ومطايبها ، فيضعف ايماننا ،وننسى أنفسنا ، فنقع في براثن الأخطاء والسقطات ، وهي متعددة ومتغيرة ،، فنكبو حيناً ، ونقاوم احياناً ، و نصبر أحايين كثيرة ، ثم ننتبــه ، وكأننا قد صحونا من حلم مزعج ، بلغ بنا التعب أجله ، وكأننا نحمل أثقالاً على كاهلنا ، يبدأ عمل الضمير في التأنيب ، فيحط من اقدارنا ، ويظهر لنا انفسنا بأنها صغيرة ودنيئة ولا تساوى شيئاً ، ثم تأتي المقاومة المضادة لتفند وتعطي الذرائع ، فتبدأ أنفسنا في تجميع شتاتها لتستقيم وترجع ثقتها وايمانها اللذين فقدا في تلكم المعركة ..
نسمع بوفاة قريب لنا فتاخذنا الدهشة لوهلة وكأنه كان معصوماً من الموت ، وذلك ليس دليلاً على خلو أنفسنا من الإيمان بالموت ، ولكن مع ايماننا به تجدنا نبعده بقصد او غير قصد عنهم ، وحتى أننا لا نفكر كثيراً ولا نحاول ان ندرب أنفسنا بأننا ـ وان طالت سلامتنا ـ يوماً سنكون على آلة حدباء محمولين على الأعناق .
نذهب للمقابر والكل في ذهول من الموقف ، وعظمة الموت ، والكل يعمل جرد وكشف حساب سريع لحياته مؤخراً ، كل يحاول ان يصلح ما فسد من حياته ، فمن له خصومة يلين قلبه ويأخذ عهداً بينه وبين نفسه في اصلاحه ، ومن ظلم أخاه في ميراث أو حق ، تجده يتعهد بارجاعه ،ومن قصر في حق جاره يراجع نفسه ويتعهدها بالاحسان إليه، ومن قصر في صلاة او صيام يتعهد كذلك بأن يؤدي ما عليه ، ويكثر من الطاعات ، أما المسئولون الكبار فأشك بأنهم يتذكرون شيئاً او يجول بخاطرهم شيء وهم يحثون التراب على من كان معهم قبل سويعات ، و سرعان ما نعاود ادراجنا لواقعنا ، بصوت من يطلب من الحضور الترحم على الميت بعد ان ووري الجثمان تماماً ..
تتتابع خطواتنا ثقيلة مبتعدة عن المقابر ولكن المؤسف كأننا قد دفنا خلفنا كل تأثير من جراء هيبة المقابر والموت ، وكل هاجسة كانت تراودنا قد بدأت في الضعف والضمور فتتناقص درجة تحقيقها ، ونضرب مواعيد جديدة مع النفس الأمارة بالسوء أو مع قريننا وتتواصل حياتنا بين شد وجذب ..
أظهر الكل ..في أيام الثانوية بعد أن تعلمت الخط العربي اتتني فكرة أن اتعلمه باليد اليسرى تحسباً لأي (قدر ) اصابة أو فقدان ليدي اليمنى ..وفعلا أصبحت أجيد الخط باليد اليسرى ليس طبق الأصل ولكنه جيداً ( يمكن بموجبه أن تحلّ محلها) ..
بعدها انشغلت لسنوات عدة فلم أحاول من جديد .. لا أعلم لماذا .. هل أصابني ( بطر النعم )?! ومنه مرض ( التعود والاعتياد) بأننا نتمتع بالصحة والعافية فلا يصيبنا شي ولا نذكر حتى ( شكر الله ) عليها !.
ما ساقني لهذه الذكريات .. شخص يمني كان يجمعني به قرب عمله من عملي واصادفه ك ...
في أيام الثانوية بعد أن تعلمت الخط العربي اتتني فكرة أن اتعلمه باليد اليسرى تحسباً لأي (قدر ) اصابة أو فقدان ليدي اليمنى ..وفعلا أصبحت أجيد الخط باليد اليسرى ليس طبق الأصل ولكنه جيداً ( يمكن بموجبه أن تحلّ محلها) ..
بعدها انشغلت لسنوات عدة فلم أحاول من جديد .. لا أعلم لماذا .. هل أصابني ( بطر النعم )?! ومنه مرض ( التعود والاعتياد) بأننا نتمتع بالصحة والعافية فلا يصيبنا شي ولا نذكر حتى ( شكر الله ) عليها !.
ما ساقني لهذه الذكريات .. شخص يمني كان يجمعني به قرب عمله من عملي واصادفه كثيراً .. وبعد أن رجعت من إجازتي شاهدته فإذا بإحدى يديه مبتورة من قرب الكتف .. لم تطاوعني نفسي على سؤاله بالطبع .. فسألت عنه فعلمت أنه تعرض لحادث فقد يده على إثرها .. تألمت له ولما أصابه ..
ما تعرّض له جعلني استرجع ذكريات التعود على الخط باليد اليسرى( الذي تركته بتناسي القدر وما قد يصيب يدي اليمنى) ..مما دعاني لإعادة النظر !
ما يدعو للأسف انغماسنا في الدنيا حتى أصبحنا لا نعرف قيمة ما نمتلكه من ( نعم ) إلا عند فقدانها .. فلك الحمد والشكر (ربنا) على ما أنعمت به علينا دوما وابدا ..
أظهر الكل ..October 16, 2010 at 3:01pm
لا أدري لماذا يتبادر إلى ذهني صورة الموتى عندما أسرح بخيالي الى الوطن وإلى المدينة التي ترعرعت فيها ،، والى كل الذكريات خاصة الحلو منها ،، فألعن الاغتراب وسنينه ،،لماذا نحن هنا ولم نكن هنالك ؟؟ دعك من هذا السؤال وارجع بذاكرتي إلى الوراء قليلاً لبداية الاغتراب في حياتي فلا أنسى عدد الأصدقاء الكثر الذين كانوا ملتفين حولي ولا زلت أذكر كم من الدموع التي ذرفت و سكبت في تلكم الليلة يوم الوداع ، وكأنهم يشيعوني الى مثواي الأخير ،، هكذا كان شع ... مابين الاغتراب والموت
October 16, 2010 at 3:01pm
لا أدري لماذا يتبادر إلى ذهني صورة الموتى عندما أسرح بخيالي الى الوطن وإلى المدينة التي ترعرعت فيها ،، والى كل الذكريات خاصة الحلو منها ،، فألعن الاغتراب وسنينه ،،لماذا نحن هنا ولم نكن هنالك ؟؟ دعك من هذا السؤال وارجع بذاكرتي إلى الوراء قليلاً لبداية الاغتراب في حياتي فلا أنسى عدد الأصدقاء الكثر الذين كانوا ملتفين حولي ولا زلت أذكر كم من الدموع التي ذرفت و سكبت في تلكم الليلة يوم الوداع ، وكأنهم يشيعوني الى مثواي الأخير ،، هكذا كان شعوري وتصورت الغربة شبحاً يبعدني ويزيحني عن أعز ما في حياتي وأعز من أعيش بينهم ،، فلم أجرب قط فكرة الابتعاد والاغتراب عن محيطي الذي أعيش فيه ، فالحق أنني كنت أشبه ما يكون بسمكة متى فارقت محيطها المائي فارقت الحياة !!،، أسرتي وأقاربي في الحي وأصدقائي وزملائي في العمل ، وتلاميذي ،، تربطني بهم علاقة وطيدة ، فعندما أهاجر فأنا من سيفقدهم ،، وافقد كل ماهو جميل ومميز في حياتي ،، وبدأت المقارنة بين من يودعوني ومن يشيعوني ،،
كان الكل من الأصدقاء في شغل شاغل لإخراج حفل اليوم يوم الوداع بصورة رائعة ولائقة ،
كان البيت يضج بالمدعوين الذين جاءوا للمشاركة والوداع ، فكأنهم سيلقون آخر نظرة علي ، ويترحمون على الصلة الحيوية التي كانت تربطني بهم ،لعلمهم بأن الاغتراب سوف يكون خصماً على تلكم العلاقة والصلة، كنت أتبادل الحديث مع مجموعة ثم اعتذر لأذهب لاستقبال آخرين وهكذا ، و بعد أن طربنا من أنغام الفنان الذي كان يتغنى ، بدأت الكلمات من الأصدقاء ، فأحالت الجو المفعم بالغناء والطرب إلى حزن بالغ ، وشعرت بكلماتهم تمس شغاف قلبي ، وشعرت بأنه ربما لن يتسنى لي رؤيتهم مرة أخرى ، فهم من عرفت معهم معنى الأخوة و الصداقة الحقة ، التي تستحق وفاءًا بوفاء ، ليس فيها من أغراض عرضية ، أو مصلحة ، فعقبت عليهم بأنني سأكون بعيداً بالجسد ولكن محال أن تبارح الروح محرابهم ، وفضاءهم ، ولم أتمالك نفسي فأجهشت بالبكاء ، فعم السكون والهدوء على المكان ، وكأن على رؤوسنا الطير ، البعض خرج من غير وداع لعدم احتماله لذلك الوداع ، والبعض كان معي خطوة بخطوة الى أن سافرت والعهد بيننا أن تكون الرسائل وسيطنا المميز حتى لا نشعر ببعد المسافة ، فتظل الإلفة والمحبة والأخوة .م
وصلت دار الغربة فلم تمهلني الأيام الأوائل فأظهرت لي مدى الوحشة التي بدأت تدب في أوصالي ، ولتنذرني من وحشة ربما ستكون أضعافاً مضاعفة ، تجلدت و صبرت وكانت الرسائل في تلكم الأوقات هي الزاد الوحيد والأوحد وهي الترياق لهذا السم الزعاف ، أتتني أول رسائل ما جعلت الدهشة ترتسم على محيا أخواني وأصدقائي معي في الغربة ، كانت بحق رصيد هائل يمكن أن استمتع به لشهر كامل أو يزيد ، بدون تكرار أو إعادة قراءة ، هذا ما اعطاني مزيداً من الصبر والجلد لمواجهة قساوة تلك الوحشة التي أشعر بها ، بدأنا نعتاد على الغربة فيتحجر جزء من أحاسيسي ومشاعري ، وبدأت العلاقة مع الأخوان والأصدقاء يصيبها الفتور والخمود ، فلا ننكر أن تحت الرماد لابد من وجود جمرة متوهجة ، ولكننا لم نظن أنها يمكن أن تؤول إلى ما آلت إليه ، فقد حلت الهواتف محل الرسائل والخطابات ، لتكون الصلة موجودة ولكنها بالتأكيد ليس كوهج الرسائل ، فالزمن أصبح زمن السرعة ، أصبح الموت البطيء لتلك الصداقة والأخوة هو عنوانها العريض ، ومشاغل الحياة قد تكفلت بما تبقى ، هم ما زالوا يحتلون مواقعاً وثيرة في داخل ذاكرتنا ولكننا لم ولن نكن كذلك ، فأصبحت ذكرانا تأتي بها المناسبة أو ربما تأتي مناسبة ولا توجد ذكرى ، وهي غاية ما نطمح إليه وما نطمع فيه في هذه الحياة ، فليس فيها غير ذكرى جميلة تنالها من عزيز لديك .
هنالك من أتى لتشييعي عندما سمع بالخبر لتوه وترك كل مايمكن أن يشغله في ذلك الوقت بحكم العلاقة التي كانت تربطني به لكي يترحم علي ويشكل حضورا ومشاركة ً في المأتم ، ومنهم من صعقه الخبر وكأنه لم يصدق رغم يقينه وعلمه تمام العلم بأن الموت حق على كل البشر فليس هنالك من استثناء فكل ابن انثى وإن طالت سلامته ** يوماً على آلة حدباء محمول ،فيقاوم اغروراق عينيه بالدموع ،إلا أن دمعتين وجدتا طريقهما في سرعة خاطفة تشكلان وداعاً حزيناً . المنزل اصبح خلية تضج من الداخل ، وكل مافيه مبعثر ، وكل فرد من افراد العائلة أخذ منحى وجانبا يبث فيه حزنه بطريقته ، وعويل النساء اللاتي حضرن لتوّهن ، جمع القاصي والداني من الجيران والأهل ومن أتى بهم الطريق لاستكشاف الخبر والسؤال المعهود من الذي مات ؟؟ وعند الحصول على الاسم ربما يريد تعريفاً آخر اذا أعيته معرفته الأولية ،فكان أن تناثر الرجال على جنبات الطريق سريعاً ، بالقرب من المنزل للمواساة و لتلقي التعازي ، وانتظار الجثمان للغسل ، البعض يتساءل هل هو حادث حركة ؟؟ أم كان مريضاً ؟؟ هل توفى هنا أم بالخارج ؟؟ عادة في حينا ومنطقتنا موت الشباب يكون له صدى وتأثر بليغ ، يصدر حتى من الذين لايعرفون المتوفى تمام العلم ، فيكفي أن يقال لهم أنه شاب في مقتبل العمر ، وفي بعض الأحيان قد تعرف من أصوات البكاء والعويل هل المتوفى شاب أو شابة أم عجوز أو شيخ طاعن في السن ، وعموماً خبر الوفاة في منطقتنا يسري وينتشر سريعاً كسريان النار في الهشيم . تجمع كبار العائلة أمام المنزل فشرعوا يوزعون المهام فأرسلوا للأهل البعيدين لإخبارهم ، ثم جماعة لإحضار كراسي وصيوان ، ومجموعة من الشباب للذهاب للمقابر القريبة من المنزل يقودهم من له خبرة في ذلك ، لاختيار مكان القبر ثم حفره ، لا سيما وأن المقابر قد امتلأت عن آخرها ، وعملبة البحث أصبحت مجهدة ، فأصبح من الاعتياد أن يبدءوا بالحفر ثم يكتشفون أنه قبر ، وكثيراً ما كانوا يتصرفون ، فيبحثون عن مقبرة لقريب المتوفى فيحفرونها ثم يدفنون قريبه معه ، وهذا ما حدث معهم بالفعل . كان الناس متأثرين اشد التأثر ، وبالرغم من ذلك حدث الاختلاف بعد الغسل أين يصلى على الجثمااان ؟؟و هل هنالك أي وصية للميت قبل موته ؟؟ البعض يقول بإكرام الميت وسرعة دفنه ، لذلك يجب أن يصلى عليه في المسجد قرب المقابر ، والبعض الآخر يقول لا بد أن يذهب به الى مسجد جده الشيخ أحمد ود سليمان يصلى عليه هناك ثم يشيع فتتبعه (النوبة) ــ وهي تقرع مع الطبل والطار ، يصاحبها مديح للرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكن عند الذهاب لدفن جثمان يكثر ذكر الله مع نقرها ، وكذلك تكون بمثابة إعلام وإعلان لكل أهل المنطقة والحي بأن هنالك وفاة ــ ، مما يزيد معرفة الناس بالخبر ، فيزداد المشيعون ، فتعود بركته على الميت ، تم الاتفاق والترجيح على الرأي الأخير ، كانت عملية إخراج الجثمان من المنزل بعد الغسل شاقة وصعبة بإثناء النساء خصوصاً والعمل على إبعادهن عن الجثمان وكأنهن يرفضن إخراجه أو لعلمهن بأنها ستكون المرة الأخيرة لخروج هذا الجسد من هذي الدار وليس هنالك من عودة ، فكان للوداع ضجيج صاخب ، وتجمع لأصوات بحت من كثرة البكاء والعويل ، ملأت فضاء المكان ، وعكرت صفوه وسكونه ، وكبار العائلة من الرجال يبذلون قصارى جهدهم لثنيهم عن ذلك ما اوتوا من قوة ، ومن كلمات تعضد الصبر والسلوان ، وذكر الله ،، وبعد جهد جهيد خرجوا بالنعش خارجا من المنزل ، وألسنة الرجال لم تفتر من كلمات (لا اله الا الله ) ، تصبيراً وتذكيراً ، كان تبادل حمل الجثمان على الأكتاف عظيماً ، فالكل يرغب في حمل النعش ، منهم من تدفعه رغبة في سداد بعض من صلة القرابة ، أو الأخوة أو الصداقة التي كانت تربطه بي ، فيود أن يكون قريباً لآخر اللحظات ، فيعتبرها واجباً عليه ، ومنهم من يسوقه كسب الأجر ليس إلا ، باتباع الجنازة وحملها ، فلذلك كان التدافع على النعش بليغاً ، وسلكوا الطرق الداخلية في الحي قاصدين المسجد ، و كان من طيبة الأهل أن يرفعوا أكفهم بالفاتحة متى تصادفهم الجنازة في الطريق نحو المسجد فيتبعونها غير مكترثين بمشاويرهم وأعمالهم ، مما يزيد من أعداد المشيعين ، وصلوا بالجثمان إلى باحة وفسحة المسجد فتوضوا وتجهزوا للصلاة عليه والدعاء ، وبعد الصلاة خرجوا من المسجد تتبعهم (النوبة ) وكلمات (الله الحي الله ، القيوم الله ) (والله الدائم ) تبعث في النفس الأسى وتزيد من الجزع والتضرع الى الله سبحانه وتعالى ، ونقرات النوبة وضربها الداوي كأنها تشاطر الأحزان و تجد صداه داخل القلب عميقاً ، وحاولت النساء أن تتبع الجنازة ولكن كبار العائلة كانوا لهن بالمرصاد ، وتزيد الذكرى بالموت فتجد أغلب المشيعين وقد شرع في اجترار صو ر الذاكرة ، فلا تبخل عليه فتمده بكل ما هو مقصر فيه ، فيتوصل لقناعة بينه وبين نفسه بأنه لا محالة سيصلح كل مشكلة بينه وبين جاره أو أخوه أو زوجته أو صديقه ، وإن كان مقصراً في علاقته مع ربه ، فمن اليوم سيبدأ صفحة جديدة ، مهتماً فيها بعبادته ومعاملاته وعلاقاته ، فلا توجد لحظة أصدق من تلك اللحظات ، يزيد من انتباهه ويقطع عليه حبل افكاره وصفائه مع نفسه أنين النوبة ، والتي ينقرها صاحبها نقرات متتالية ومتصاعدة الصوت ، وما زال بعض الناس ينضمون الى الجنازة في طريق تشييعها للمقابر ، والتبادل على حمل جثماني على الأعناق متصل ، وتبادل الفاتحة على روحي كذلك ، إلا أن البعض أحس بأنهم لا يكملون قراءة الفاتحة ، متسرعين لمصافحة بعضهم بعضاً وهم لا يدرون أن قراءتهم لها تدخل السرور عندي ، وعند الوصول لم يكن القبر قد جهز ، وذلك لأنهم وجدوه بصعوبة ، فتقسم الناس الى جماعات جماعة جعلت تمدح بعض المدائح وأنا ممدد في نعشي ، وبعضها يقرأ لي في آيات سراً ، ومنهم من شقّ عليه الوقوف فلم يستطع مقاومة الجلوس بين القبور فجلس ونسي ما أتى به للمقابر فبدأ في نقاش أمور دنيوية ، عندها تأثرت كثيراً وتمنيت لو أكرموني بكل هذه الدقائق المتبقية ، فقد فارقت حياتهم أيعز عليهم أن يمنحوني تلك الدقائق بآيات يهدوها لروحي ؟!، انتهى تحضير القبر وحملوني ليدخلوني قبري الموحش أنزلوني به فإذا بوحشة لم اصادفها في حياتي قط ، ووحدة قاتلة، أما الظلمة فحدث ولا حرج ، أهالوا علي التراب بسرعة فائقة وكأنهم يستعجلون الزمن لكي يتسنى لهم قضاء أغراض أخرى . لم يتبق بعد دفني غير القليل منهم فكأني بي أعرفهم جيداً اسمع نحيبهم وبكاءهم وإكثارهم من سورة ياسين وسورة الاخلاص ، هؤلاء هم الذين تبقوا لي محافظين على صلتهم بي رغم غيابي ، يسعدني صوت ترتيلهم للآيات التي يتفضلون بها عليّ ، ولو استطيع لبادلتهم ، ولكن هيهات ..!! ..هيهات ! أظهر الكل ..
ما الابتسامة إلا إشراقة الحياة ،وتتجسد فيها كل معاني البشاشة والتفاؤل ، فهي لغة أهل الأرض جميعاً والقاسم المشترك بينهم فلا تحتاج لوسيط ترجمة ، كما هي أقصر الطرق للولوج الى قلب الأخر ، دون عنت أو مشقة ..
إن المقولة السائرة ( ابتسم تبتسم لك الدنيا ، ابك تبكي وحدك ) لم تأتِ من فراغ ، فمتى ابتسمت تجد كل من حولك يشاركك الابتسام ، حتى ولو في مكنونه بعض من الآلام والمآسي والمصائب ، فابتسامتك تخرجه مما هو فيه الى رحاب اوسع ، فتزيل عنه ما يكدر همه ولو الى حين ، و ... الابتسامة ،، أقصر الطرق الى القلب
ما الابتسامة إلا إشراقة الحياة ،وتتجسد فيها كل معاني البشاشة والتفاؤل ، فهي لغة أهل الأرض جميعاً والقاسم المشترك بينهم فلا تحتاج لوسيط ترجمة ، كما هي أقصر الطرق للولوج الى قلب الأخر ، دون عنت أو مشقة ..
إن المقولة السائرة ( ابتسم تبتسم لك الدنيا ، ابك تبكي وحدك ) لم تأتِ من فراغ ، فمتى ابتسمت تجد كل من حولك يشاركك الابتسام ، حتى ولو في مكنونه بعض من الآلام والمآسي والمصائب ، فابتسامتك تخرجه مما هو فيه الى رحاب اوسع ، فتزيل عنه ما يكدر همه ولو الى حين ، وهي كذلك تعطي انطباعاً جيداً وسريعاً لدى الآخر ، قبل التعرف إليه والدخول معه في تعارف أو حوار أو نقاش ، فتمهد السبيل لعلاقةٍ وديّةٍ أغلب الظن أنها ستكون مثمرة فهي تعطي انطباعاً أولياً جيداً عن صاحب تلك الشخصية ، ولا شك بأن الانطباع الأول يكون له تاثير السحر ، فهو يحتاج لكثير من الوقت والجهد لكي يتغير إذا كان سلباً أو ايجاباً .
إن هنالك شرائح من المجتمع تمثل الابتسامة وطلاقة الوجه وبشاشته جواز المرور لنجاحاتهم ، وعلى سبيل المثال ،، يمكن أن نأخذ التاجر فهو يحتاجها لكي يكسب زبونه على الدوام ، والاستاذ المعلم يحتاجها لكي يحبب تلاميذه في المادة فيقبلون على مادته بلهفة وبشغف غير عاديين مما يساعد على الفهم ، فلا ينفرهم منها فيطلقون العنان لخيالهم بالسياحة خارج نطاق الفصل والمادة ، ويتذمرون لتذمره ،،والطبيب يحتاج الابتسامة كذلك ليرتاح له مريضه فيفصح عما به وما يشكو منه ويكشف عن أسرار حياته وتأريخه المرضي دون توجس أو رهبة ، والموظف الذي يتعامل مع الجمهور فهو في أمسّ الحاجة إليها لكي تتولد الثقة بينه وبين المتعاملين في أنه لن يتوانى في تقديم الخدمة وأنه لن يألو جهدا ، ولن يدخر وسعاً لمساعدتهم ، فإن الذي يتجهم في وجوههم إن لم يخسر لن يكسب من عبوسه شيئاً ، فهذا ليس مجالاً لاظهار وابراز الشخصية المسيطرة أو الحازمة ، فهي مصالح للعباد قادتك الظروف لكي تكون في هذا المقعد ولن يدوم لك ، فبالابتسامة إن لم تجعلك محبوباً ومقدراً بينهم لن تنقصك حقك على أي حال ،،
ــ وقول المصطفى صلى الله عليه وسلم ( تبسمك في وجه أخيك صدقة ) يدل على أهمية الابتسام في وجه الآخرين وما لها من تأثير ، تجزى على تبسمك بحسنات لا تلقى لها بالاً ، فهي تصب في ميزان حسناتك ، وكذلك تلعب دوراً رئيساً في علاقات الناس بعضهم ببعض ، وتوثيقاً للمحبة بينهم ، ونبذاً للخلاف
وإن الابتسام عند العشاق والمحبين كالنظرة لها كذلك الكثير من الدلالات ، فالابتسام قد يسفر عن مدى رضا الحبيب عن محبوبه ، ضيقاً وانفراجاً كما التجهم ينم عن غضب الحبيب كذلك ، فتبسم فإنك لا تخسر بالتبسم درهماً ،، ولا أنت تكسب بالتجهم درهما ،، وجميل قول الشاعر في التي تعرض بعد نظرتها في تجهم :
ويلاه إن نظرت وإن هي أعرضت ***وقع السهام ونزعهن أليم
كما أن الابتسام له مساحة مقدرة في شعرنا الغنائي فعلى سبيل المثال نجد المحب يخاطب محبوبته بأنها إذا رأت عليه بعض الحيرة فبعض الابتسام يزيل ما به من كدر و حيرة ( لو بتلقي عليّ حيرة ابتسامتك لي كتيرة ) ، أما الحبيب الذي يظهر ابتسامته لمحبوبته ويخفى كثيراً من آلامه و ما يعتصره من حزن دفين ، كالذي يقول ( ورا البسمات كتمت دموع بكيت من غير تحس بيا ) هذه أمثلة والقائمة تطول ..م
فمن يظن أن التبسم في وجه الآخر ضعف ، فعليه أن يغير نظرته لأنها خطأ محض ، وليبدأ صفحةً جديدةً ناصعة ، يغلب عليها التبسم والابتسام ، ثم ليقيم تجربته بعد أشهر معدودات ، فلا غرو ولا عجب أنه سيجد نتيجة تخلب لبه ، وتقلب حياته راساً على عقب ، فيندم على ما ضيّع من أوقات قضاها عابساً مقطب الجبين ، فما أجمل الابتسام ! أظهر الكل ..
March 30, 2010 at 9:46am
هنالك بعض الأحداث التي تحتفظ بمواقعها في الذاكرة ،، لاسيما أحداث الطفولة ،، والتي تبدو وكأنها محفورة في اقاصي الذاكرة .. ما اذكره ولا أنساه اليوم الأول لقيدنا في المدرسة الإبتدائية .. أنا وابن عمتي والذي يكبرني ببضعة أشهر .
كنت معجباً اشد العجب بأخوتي الكبار ، والذين يجعلون المنزل في حالة استنفار من الصباح الباكر ،، كل يجهز نفسه للمدرسة ،، فيلبسون الزي المدرسي ،ويحجزون مقاعدهم لشرب الشاي في المطبخ مع الوالدة ــ والتي تكون قد أعدت الش ... أول أيام قيدنا في المدرسة
March 30, 2010 at 9:46am
هنالك بعض الأحداث التي تحتفظ بمواقعها في الذاكرة ،، لاسيما أحداث الطفولة ،، والتي تبدو وكأنها محفورة في اقاصي الذاكرة .. ما اذكره ولا أنساه اليوم الأول لقيدنا في المدرسة الإبتدائية .. أنا وابن عمتي والذي يكبرني ببضعة أشهر .
كنت معجباً اشد العجب بأخوتي الكبار ، والذين يجعلون المنزل في حالة استنفار من الصباح الباكر ،، كل يجهز نفسه للمدرسة ،، فيلبسون الزي المدرسي ،ويحجزون مقاعدهم لشرب الشاي في المطبخ مع الوالدة ــ والتي تكون قد أعدت الشاي مع اللبن ــ والذي يحضره الوالد من حوش كبير يحتفظ فيه ببعض الضأن والماعز ــ ، ولا يخلو يوم من نقاش او اختلاف بينهم ، وما أن ينتهوا من تناول الشاي مع ما تيسر من خبز أو لقيمات، بعدها يهمون بالمغادرة الواحد تلو الآخر ، وأنا أرقبهم عن كثب كأني أستحث الأيام بالمضي لأصبح مثلهم ..
أما ابن عمتي ، فقد كان فاتر الرغبة في الانضمام للمدرسة فهو مستمتع بألعابه المختلفة وبانتقاله من بيتنا الى بيت جده الشيخ وبالعكس ــ والذي لا يبعد عن بيتنا كثيراً ــ من غير كلل أو ملل ، لما فيه من تنوع الأفراد والألعاب ، أما بانضمامه إليها فلا محالة أنه سيفقد كل ما هو جميل ورائع مما كان قد تعود عليه ، فلم تزد في نظره عن كونها سجن كبير يحرم فيها من ألعابه الطفولية ، فكلما يسأله من هم أكبر منا من اخوتنا عن رغبته في الانضمام الى المدرسة ، فلا يزيد جوابه على أنه لا يحبها ولا يريدها .
قمنا من نومنا مبكرين ، فتذكرت أنني بالأمس قد احتفظت بملابس جديدة تحت رأسي رغم محاولات الوالدة للاحتفاظ بها في الدولاب لكي أخرجها في الصباح ، ولكنها كلها باءت بالفشل ، فلم أرد أن أفارقها ، أخرجتها من تحت راسي في انبهار وإعجاب ، وكأنها تباشير لما نحن مقبلون عليه من حياة جديدة ، رغم قتامة تفاصيلها وعدم وضوحها فقط يكفي أنها جديدة فهي جديرة بالتجريب والمعايشة .. لاستكشاف ما يختبيء وراء أكمتها ، والاستكشاف سنّة طفولية لا يمكن الاستغناء عنها او إستبدالها بتاتاً. أكملنا ارتداء ملابسنا وحجزنا مقاعدنا قبل أخوتنا الكبار لشرب الشاي ، كأننا نثبت لهم أننا منذ اليوم سيكون لنا حق معكم ، وبعدها أصبحنا جاهزين ونصيح للذهاب مبكرين وأخوتنا الكبار ما زالوا يتماطلون ويتباطئون ، ولم تكن لنا دراية كافية بالزمن وعقارب الساعة وإلا لادرناها باصابعنا الصغيرة لتصادف هوانا وما نصبو إليه من توقيت للذهاب
أتى الخال أخ والدتي ليصحبنا معه ، فتجردنا من تأخير أخوتنا وصحبنا خالي الى المدرسة وما زال أخوتي بالبيت ،فقد كان يعمل فرّاشاً في تلك المدرسة ، وفي ذاك الحين لم تكن تلك المهنة محصورةً في الاهتمام بأدوات المدرسة ، والحفاظ عليها ، والاشراف على نظافتها فحسب بل كانت تتعداه الى مهام أخرى كمعاقبة التلاميذ على سبيل المثال ، وقد كانت له طريقة خاصة في المعاقبة فقد كان يستخدم أصابع يده المضمومة للعقاب بالنقر على الرأس ، وكانت له كلمة مسموعة بين المعلمين لما له من صلات طيبة وقوية وخبرة طويلة ، اضف الى ذلك تفقهه في الدين وحفظه للقرآن ، ما ايده وساعده ليكون ماذوناً شرعياً في منطقتنا .ومن معرفته لكل أو معظم آباء التلاميذ فقد كانت معظم المشاكل تنتهي منه وإليه ، فنادراً ما يحتاج تلميذ لإحضار والده للمدرسة لمشكلة ما ، وكذلك كان يمتلك كشكاً لإفطار التلاميذ وهو يقع في ركن المدرسة .
وصلنا المدرسة بصحبة خالي ، ولم تفارقني الغبطة والسرور على طول الطريق ، على النقيض من ابن عمتي والذي يبدو على محياه أنه قادم رغم أنفه ، تركنا خالي في (الكشك) مع بعض الحلوى ، وذهب لقضاء بعض شئونه ومهامه في المدرسة ، وأثناء جلوسنا في (الكشك) كنا نراقب الطلبة القادمين من منازلهم وهم يحملون حقائبهم يأتون زرافات ووحدانا .
بعد مدة من الزمن تناهى الى مسامعنا صوت جرس عال يقرع تغلق على أثره بوابة المدرسة ، ويتدافع التلاميذ الى مساحة تتوسط المدرسة وهي بعيدة عن ناظرينا لأن موقع (الكشك) مغطى ببعض الفصول ، ، وهناك كل التلاميذ يصطفون في صفوف وعرفنا فيما بعد أنه يعرف بطابور الصباح ، من موقعنا ذاك كنا نرى باب الدخول بوضوح أمامنا بمسافة ليست بالقصيرة ، وبعد مضي التلاميذ الى صفوفهم ، يفتح الباب من جديد فإذا بكثير من التلاميذ المتأخرين عن زمن الطابور يدخلون ويقفون جانباً ، ما شد انتباهنا وراعنا وجعلنا نتوقف عن مضغ ما شاء الله لنا أن نمضغ من الحلوى .. معلم يحمل سوطاً طويلاً فيشرع في معاقبة كل تلميذ منهم ، وعرفنا فيما بعد أنه المدير ، وكان صوت كل ضربة من السوط له صدى يشق الصمت الذي خيم علينا وغشينا وحلّ بنا ، فكادت أعيننا تخرج من محاجرها .. وقلوبنا تقفز من موقعها . أصبنا بهلع لم نشهد له مثيلاً في دنيا طفولتنا ، فقد خلع عنا ثوب الأمان والاطمئنان ، الذي كنا نتدثر به ، مما توقعناه وتصورناه من محاسن لمدرسة ومزايا لطالما حكى لنا بها اخواننا الكبار بشيء من الافتخار والاعتزاز واشياء تفوق مخيلتنا الصغيرة والمحدودة من إدراكها كما يدعون ، فكانت الأماني تترى تراودنا بأنه يوم ما سنصل الى ما وصلوا إليه . . اصبحنا نراقب عن كثب ، وما زالت الدهشة ترخي سدولها علينا ، فلم ننبس ببنت شفة ، فالكلمات مجهضة قبل أن تولد ، فنظرنا الى بعضنا البعض ، وكانت النظرة ابلغ من الإفصاح بالكلمات ، فاتحدت أهدافنا في هدف واحد وهو مبارحة ومغادرة هذا المكان ما أوتينا الى ذلك سبيلا ، فهو جديد علينا ، وغريب على عالمنا .. وما زال صياح كل تلميذ من العقاب يتردد على مسامعنا آلاف المرات ، فينذرنا ، ويستعجل زمن بقائنا في هذه البقعة الظالم اهلها في نظرتنا وحسب فكرنا .
ظللنا في أقصى حالة من التأهب والترقب لما سيؤول اليه الحال ، وتدبير ايسر الطرق لخلاصنا ، وعندما هدأت الأوضاع ودخل التلاميذ المعاقبين الى صفوفهم والمدير الى مكتبه ، لم نجد بداً من التسلل عبر هوة وفتحة في سور المدرسة بالقرب منا ومن (الكشك) غالباً ما كانت تستخدم كمجرى لمياه الأمطار ، وبالكاد حشرنا جسدينا الواحد تلو الآخر فيها وخرجنا لم نفق بعد من صدمتنا ونحن غير مصدقين أننا قد صرنا أحراراً من جديد وفي فلاحنا من الخروج والنفاد بجلدينا من ذلك السجن الكبير ، فأطلقنا العنان لأرجلنا اليافعة لتبتعد أقصى ما تستطيع عن شبح تلك المدرسة المخيف معلمها ، وكان ما يزيد من سرعتنا ربما تذكرنا لخالي في تفقده لنا وبحثه ومحاولة الهرولة للحاق بنا ، وما أن تجاوزنا مسافة بعيدة أشعرتنا بالأمان ، بدأت أنفاسنا اللاهثة والمتلاحقة تهدا شيئاً فشيئاً .. ذلك الموقف والمنظر الذي شاهدناه في أول ايام قيدنا بالمدرسة ، لم يبارح مخيلتنا بسهولة ويسر ، ولكن عانينا منه طويلاً وكثيراً ، ما أثر في تأخير انتمائنا لتلكم المؤسسة في ذات الوقت ، ولكنه تم بعد مضي زمن كان كفيلا بدمل جزء من آثاره .
تم قبول ابن عمتي قبلي وذلك لفارق تلك الشهور التي تفصل بيننا ، ثم التحقت به وانضممت الى نفس المدرسة في العام الذي أعقبه مباشرة ، انضممنا لذات المدرسة وفي قلوبنا شيء عالق من تلكم الذكريات ، ولكن بمرور الزمن استطعنا من قهرها والسيطرة عليها ، فواصلنا مشوارنا الدراسي كأحسن ما يكون .. أظهر الكل ..
هل أدمنا وأدمن معظم الشعب العربي الدكتاتورية وحكم العسكر والفرد ، حتى أضلونا سبيل الحرية والديمقراطية ؟!!
إن ما يسمى بالربيع العربي الذي استبشرنا واستبشر به الناس خيرا ، بأنه أخيراً سيفتح ابواباً للحرية وخطوة نحو شفافية القادة مع القاعدة وعامة الشعب العربي ، المتخلف عن ركب الحضارة والتقدم زماناً طويلاً ، وذاق من الرهق والمعاناه والمكابدة ، بأننا سنلوح بأيد تودع عهد الطغاة وآكلي أموال الشعوب ، غير مأسوف عليهم ، الذين يؤثرون الخير لأنفسهم ، ويلقون بالفتات ا ... (اعطني حريتي ،، اطلق يديـا .. )
هل أدمنا وأدمن معظم الشعب العربي الدكتاتورية وحكم العسكر والفرد ، حتى أضلونا سبيل الحرية والديمقراطية ؟!!
إن ما يسمى بالربيع العربي الذي استبشرنا واستبشر به الناس خيرا ، بأنه أخيراً سيفتح ابواباً للحرية وخطوة نحو شفافية القادة مع القاعدة وعامة الشعب العربي ، المتخلف عن ركب الحضارة والتقدم زماناً طويلاً ، وذاق من الرهق والمعاناه والمكابدة ، بأننا سنلوح بأيد تودع عهد الطغاة وآكلي أموال الشعوب ، غير مأسوف عليهم ، الذين يؤثرون الخير لأنفسهم ، ويلقون بالفتات الى بقية الشعب الكادح ، وسنبتسم ملء أشداقنا لمفارقة المحسوبية ، وانتهاء عهد الولاء قبل الكفاءة ،،
بعد انحسار الغطاء ، لم نشهد سوى التشتت والاختلاف والتحزب والطوائف شذر مذر ، ودماء لأبرياء تسيل رخيصة كمياه النيل ، احاسيسنا اصابها التبلد من كثرة مشاهد السيارات المتفجرة والاشلاء المتناثرة ، لم نهنأ بالحلم الجميل طويلاً ، ليحل محله كابوس مفزع ، الغريب أن معظمها قد تدثر برداء الإسلام مما جعل معظم الشعوب تتعاطف معها ، لتعطشها لتطبيق تعاليم الاسلام من امن وإخاء ومساواة وحرية ، وعيش رغد وتعايش سلمي ، تمني نفسها بأن ترى بأم اعينها عمال الزكاة وهم يرجعون بأموالهم خائبين لأنه ليس هنالك من محتاج للزكاة ، وتشهد مروءةً كمروءة الغفاري عندما ضمن رجلاً محكوماً عليه بالقصاص دون أن يعرفه مخافة أن تضيع المروءة والشهامة ، ويأتي الرجل وفاءً لوعده لئلا يضيع الوفاء .. فتلك الشعوب قرأت التاريخ ( بتمعن ) ولكن لم تر شيئاً واقعياً، فرسخت كلمة المستشرقين ( بأن بالشرق اسلاماً وليس هنالك من مسلمين ! ) .
ذاك الوضع أثر على حالنا وجعل البعض رغم القهر والضيق الذي يعايشه يريد التغيير ولكنه يتخوف مما حدث ( للثور الأبيض ! ) ، فهل ما حدث لأولئك حري به أن يثبط هممنا ، ويجعلنا نرضخ لواقعنا الأليم ؟! هل انطبقت علينا نظرية ( السجين المحب لسجّانه) أم ( جوع شعبك يتبعك !) ..
وهل أساليب الحكم الدكتاتوري الفردي لسنوات طوال افقدتنا كيفية التعاطي الديمقراطي ؟؟ ! وأن تلكم الأحزاب والشعب على السواء يحتاجون لإعادة صياغة وترميم للتعرف من جديد على معنى الحرية والاستقلالية ، والوطنية والحقوق والواجبات ..!!؟ أظهر الكل ..