نظر من النافذة، فجأة، حدث جلل تجري وقائعه تحته مباشرة، قال بلا مبالاة ، هذا شيء عادي جدا، يحدث يوميا. أغلق النافذة بهدوء حتى يتخلص من جَلَبة الأصوات التي تتسرب دون استئذان من نافذته الزجاجية، أخذ عدة دقائق لينسى المشهد، ثم هاجمه شريط الأحداث بعنف مبالغ فيه، كأن ضميره استيقظ دون سابق انذار. عشرون شخصا يتفحصون الجثة، يبدو للوهلة الأولى ألا ورق إثبات عن المتوفى، رجل بدين تكفل بالمهمة يقلب الميت على جانبيه كمن يتفحص جثة كلب بلا رحمة، لا بأس ، لقد قام بتصرف خاطئ تماما، كان ينبغي انتظار وكيل الجمهو ...
نظر من النافذة، فجأة، حدث جلل تجري وقائعه تحته مباشرة، قال بلا مبالاة ، هذا شيء عادي جدا، يحدث يوميا. أغلق النافذة بهدوء حتى يتخلص من جَلَبة الأصوات التي تتسرب دون استئذان من نافذته الزجاجية، أخذ عدة دقائق لينسى المشهد، ثم هاجمه شريط الأحداث بعنف مبالغ فيه، كأن ضميره استيقظ دون سابق انذار. عشرون شخصا يتفحصون الجثة، يبدو للوهلة الأولى ألا ورق إثبات عن المتوفى، رجل بدين تكفل بالمهمة يقلب الميت على جانبيه كمن يتفحص جثة كلب بلا رحمة، لا بأس ، لقد قام بتصرف خاطئ تماما، كان ينبغي انتظار وكيل الجمهورية.
لكن من لديه تلك الثقافة المدنية، من يعلم ذلك؟! يبدون مجموعة من البدو، لا يفقهون أي شيء في القانون ولا في علم الإجرام، ربما هم مشاركون في الجريمة. التفرج على الأحداث المألمة سمة هذا المجتمع، قال شاب ذات يوم متفاجئا.
أخرج ورقة، أفردها باستعجال، كانت يداه ترتعشان كالسكران أو كطبيب غير مجرب، أو ربما كمبتدأ وصل للتو لذروة عملية جراحية داخل غرفة النوم.
الجميع يريد إلقاء نظرة على الورقة، يتهامسون، تزداد الأعداد و تزداد الأصوات تبعا لذلك.
هاتف يرن، اتصال غامض ومفاجئ، يبتعد أحدهم عن الحشد، معالي الوزير ، كم أنا مسرور باتصالكم، لقد تم ترتيب كل شيء، في انتظار معاليكم، يعيد الهاتف مزهوا إلى داخل جيبه الجانبي الأيمن.
سيارات كثيرة، أناس ينزلون بهدوء، بشرتهم لا تشبهنا بتاتا، لا تشبه الميت أيضا، هل هم ورثته، أهله على الأصح!؟ يتسائل أحد أفراد الحشد، يجيب آخر بتهكم بل هم القتلة، أتعرف المثل القائل، يقتل القتيل ويمشي في جنازته، إنه ينطبق عليهم تماما، لم يقتنع، يضيف متسائلا، هؤلاء أثرياء، سيارات و عطور و أحذية و هواتف راقية، لم يقتلونه، مالداعي لذلك؟!
يضحك أحدهم ضحكة طويلة، في غير محلها، يتوارى بين الحشود ونظرات الحضور تلاحقه باشمئزاز، يردد بكلمات ممزوجة بضحكاته، أنتم من قتله، أنتم الخونة أنتم المجرمون، أصحاب السيارات الفارهة والعطور الفاخرة، كلها من أمواله، أنتم سرقتموه، ولا زلتم تسرقونه وهو يحتضر، دستم كرامته والآن لا تريدونه أن يموت بسلام ، بل ليبقى حيا حتى تسرقونه أكثر.
لم يعره أحد أي انتباه، كالعادة، واصلوا النظر إلى جثته التي بدت تذبل شيئا فشيئا. أخيرا وصل وكيل الجمهورية، بدأ يسأل بتعال و تأفف من لمس الجثة؟. هذا تعدي، تجني، هذا فساد، ينظر أحدهم للآخر متسائلا، فســــــــــاد ؟! يواصل وكيل الجمهورية، سأسجن المتسبب في موته، سوف تثبت المعاينة القاتل بينكم، السجن هو مصيره، سنبني سجونا جديدة حتى تتسع لكم جميعا أيها اللصوص، أكلة أموال الضحية. ينفض الحشد، االواحد تلو الآخر ، همهمات و أصوات أقدامهم تبتعد إلى أن تختفي، لا يقدرون على المواجهة، لكن كيف، السلطة معه والقضاء كذلك. يلتفت إلى مساعده، يغمز بخبث، لا يزال حيا، إنه لن يموت ببساطة. يرد المساعد بنبرة تهكمية، موريتانيا لن تموت بفضل قيادتكم الرشيدة.
* رابط القصة على مدونتي
https://alraeyelhour.blogspot.com/2018/11/blog-post.html#.XAU3m2j7TIU
* رابط القصة على موقع القصة العربية
أظهر الكل ..بدت مجموعة من الهواجس تنتابني فجأة، أطفأت التلفزيون، خرجت لأستنشق بعض الهواء الملوث، عوادم السيارات المارة من أمام منزلنا تجعل الأمر أكثر سوءا بشكل لا يوصف، أبي – رحمه الله – رفض أن نبيع منزلنا المطل بفخرعلى الشارع العام الوحيد في المدينة. لقد كان يرى أن في ذلك ميزة لم أستطع اكتشافها لحد الساعة. فتحت الباب الذي أصدر أزيزا و صوتا مزعجين ، تذكرت أن أحدهم طلب من أبي مرة تغيير صوت هذا الباب أو وضع زيت تليين لإخفاء هذا الطنين المقيت.
جلست بالباب، أخرجت سيجارة من النوع الرديء، كثيرا ما سخر بع ...
بدت مجموعة من الهواجس تنتابني فجأة، أطفأت التلفزيون، خرجت لأستنشق بعض الهواء الملوث، عوادم السيارات المارة من أمام منزلنا تجعل الأمر أكثر سوءا بشكل لا يوصف، أبي – رحمه الله – رفض أن نبيع منزلنا المطل بفخرعلى الشارع العام الوحيد في المدينة. لقد كان يرى أن في ذلك ميزة لم أستطع اكتشافها لحد الساعة. فتحت الباب الذي أصدر أزيزا و صوتا مزعجين ، تذكرت أن أحدهم طلب من أبي مرة تغيير صوت هذا الباب أو وضع زيت تليين لإخفاء هذا الطنين المقيت.
جلست بالباب، أخرجت سيجارة من النوع الرديء، كثيرا ما سخر بعض شباب الحي من سيجارتي العتيقة و أنا منتصب كالعادة بمحاذاة الباب كنخلة عتيقة، أعدت العلبة بلا مبالاة إلى جيب فضفاضتي[1]، أخذت نفسا عميقا و أطلقت غابة دخان مصحوبة بتأوه خفيف كمن ينفث بعيدا هموما جاثمة على صدره، قال صديقي سلمان وهو يمازحني، < أنت تبدو مثل قطار يعاود الانطلاق ألقم توا بكمية من الفحم >.
بعد لحظات كانت السيجارة توشك على الانتهاء، أخرجت أخرى تفحصتها جيدا ثم أعدتها، أغلقت الباب خلفي ودلفت إلى الداخل، صاح في أحد الجيران، غيروا باب منزلكم المزعج أيها البخلاء، التقطت كلماته ببرود قاتل، مطّيت شفتي و استمريت في طريقي إلى حيث التلفزيون.
كانت إحدى القنوات تبث فيلما تافها، الملل يقتلني، نظرت في الغرفة و جلت بعيني الجاحظتين من فرط الملل و النعاس و أشياء أخرى لا داعي لذكرها، أعدت الكرة مرات، لا يزال نفس الفيلم المعاد الذي أفقدني صوابي، أخذت الريمونت كونترول، إبهامي يضغط ضغطات خفيفة، ينتقل بين القنوات بسرعة. فيلم رومانسي ممتع جدا تتخلله قبلات ساخنة حد الجنون، كانت البطلة في قمة النشوة تتلوى كأفعى كوبرا محاولة خنق فريسة ثمينة. تتأوه مصدرة أصوات تجعلك تتصور أنك البطل.
طرقات خفيفة متتالية على الباب، هيا انهض أنت متأخر ربع ساعة، الكل يسأل عنك، أشحت اللحاف وأنا أشتم في سري هذا الطارق الذي لم أتبين صوته من فرط النوم و اللذة.
تذكرت يوم الخميس الماضي، لقد تلقيت بريدا ألكترونيا معتادا من منظمة مكافحة التحرش التي كنت أشتركت فيها قبل مدة أجهل الآن كم مضى عليها، تقول الرسالة بالحرف < في يوم الخميس الموافق 8 نفمبر أقدم مدرس القرآن الكريم المدعو س.م / م ح على اغتصاب الطفلة ز/ع في فناء المنزل الذي يتخذه كمقر لتدريس الأطفال، وقد أكدت الفحوصات الطبية التي أجريت في المستشفى الكبير هذا الجرم و أن هذه العملية أسفرت عن نزيف حاد، و تتعهد منظمة ” مكافحة التحرش ” ملاحقة الجاني دون الجنوح إلى الصلح مهما كان الثمن ……>.
فتحت لابتوبي التوشيبا وبسرعة البرق وجدتني أمام خانة البحث في جوجل، كتبت ” اغتصاب طفلة يوم 8 نوفمبر” الكثير من العناوين بتواريخ مختلفة ، فقط عنوانا واحدا كان في أعلى الصفحة أثار انتباهي ” اعتقال رئيسة منظمة ” مكافحة التحرش ” بتهمة التشهير بالإمام والمدرس ابن الأكارم يوم 8 نوفمبر 2016 ، ذوو الإمام يطالبون بأقصى أنواع العقوبة، فتحت الخبر، صور لوقفة احتجاجية أمام المحكمة، ورقة من نوع A4 مكتوب عليها بخط يبدو قياس 72 ” الحبس للزانية ” وورقة أخرى ” منع التبرج واجب ديني “.
[1] الزي التليدي للرجال في موريتانيا
الرابط - http://thaqafat.com/2018/01/86654
أظهر الكل ..وضع رأسه بين راحتي يديه وانخرط في بكاء صامت، ثم فجأة، أصدر شهيقا ثم زفيرا طويلا جدا حتى أيقنت أن روحه صعدت إلى السماء مباشرة، كانت عيناه حمراوين، وشعر لحيته كثيفا تتخلله شعيرات بيضاء علامة على وقار نادر، أنفه طويل أسفله شنب معد بشكل أنيق، سحنته الباردة والكئيبة توحي لك بسر دفين ، كان العرق يغطي كامل وجهه كمن تعرض لحرارة مرتفعة لفترة طويلة، رفع رأسه وبدون مقدمات وقال:
أتراهم يسامحونني؟ .
هل أستحق كل هذا العذاب ؟
وبدأ في نحيب مسموع هذه المرة حتى انهمرت دموعه وخللت لحيته ال ...
وضع رأسه بين راحتي يديه وانخرط في بكاء صامت، ثم فجأة، أصدر شهيقا ثم زفيرا طويلا جدا حتى أيقنت أن روحه صعدت إلى السماء مباشرة، كانت عيناه حمراوين، وشعر لحيته كثيفا تتخلله شعيرات بيضاء علامة على وقار نادر، أنفه طويل أسفله شنب معد بشكل أنيق، سحنته الباردة والكئيبة توحي لك بسر دفين ، كان العرق يغطي كامل وجهه كمن تعرض لحرارة مرتفعة لفترة طويلة، رفع رأسه وبدون مقدمات وقال:
أتراهم يسامحونني؟ .
هل أستحق كل هذا العذاب ؟
وبدأ في نحيب مسموع هذه المرة حتى انهمرت دموعه وخللت لحيته الكثيفة، كان صوته يتزايد باستمرار ، دامت هذه الحال ما يقرب من دقيقتين.
وقف منتصبا ونظر حوله، إلى كل جوانبه كمن يتفقد شيئا ما ثم قال: ذلك أمر مضى، والله غفور رحيم، وهو أدرى بما تخفي الصدور.
تقدم خطوات إلى الأمام ، تنحنح، ترنح قليلا، ثم كمن تذكر سرا ماضيا يعود لزمن سحيق، رسم ضحكة باهتة على محياه، نظر إلى السماء طويلا وقال: آه من تتلك الأيام الجميلة! كم كنت محترما وذا شأن ولكن ......
سكت فترة قبل أن يكمل قائلا أستغفر الله وبدأ في نحيب مسموع تتخلله كلمات نابية وقاسية يوجهها لنفسه الأمارة بالسوء، تذكر تلك المرأة الفقيرة، تلك المسكينة، ثم جلس متكورا على نفسه ولاذ بصمت قاس تقطعه أحيانا همهمة غير مفهومة ترتفع وتنخفض بتتابع آلي.
أظهر الكل ..
دخل في مشادة كلامية قاسية مع حارس الساحة الثقافية الوحيدة في المدينة، لم يسمح له بالدخول، وقف في الزاوية الخارجية بعد أن باءت كل محاولاته بالفشل ، أشعل سيجارة رخيصة ثم نفث كمية هائلة من الدخان اتجاه الحارس ، و كأنه يعبر عن حنقه من تصرفه القاسي في حقه.
كانت لديه جريدة ورقية وجدها في الشارع على أحسن تقدير، يمسك بيده اليمنى إحدى دفتيها ويمسك بيده اليسرى الدفة الأخرى، يحرك رأسه علامة للقراءة في صمت.
بدأ يقلب صفحاتها، يقرأ " ... يعتزم مركز معاوية لترقية الشباب تنظيم ندوة ثقاف ...
دخل في مشادة كلامية قاسية مع حارس الساحة الثقافية الوحيدة في المدينة، لم يسمح له بالدخول، وقف في الزاوية الخارجية بعد أن باءت كل محاولاته بالفشل ، أشعل سيجارة رخيصة ثم نفث كمية هائلة من الدخان اتجاه الحارس ، و كأنه يعبر عن حنقه من تصرفه القاسي في حقه.
كانت لديه جريدة ورقية وجدها في الشارع على أحسن تقدير، يمسك بيده اليمنى إحدى دفتيها ويمسك بيده اليسرى الدفة الأخرى، يحرك رأسه علامة للقراءة في صمت.
بدأ يقلب صفحاتها، يقرأ " ... يعتزم مركز معاوية لترقية الشباب تنظيم ندوة ثقافية هذا المساء بعنوان " دور الثقافة في التنمية "، ابتسامة باهتة ترتسم على محياه، يكرر في صمت وتهكم، " دور الثقافة في التنمية " ؟!
نظر إلى الساعة صينية الصنع في معصمه، تبادر إلى ذهنه منتجات الصين الرخيصة ، سور الصين العظيم، مقارنة بل مفارقة يقول في ذهنه ، كيف لمن بنوا سور الصين العظيم أن تكون لهم منتجات بهذا المستوى من الرداءة، أسئلة أخرى تتوارد إلى ذهنه، ينتبه، إنها الخامسة و الربع، لعل الندوة بدأت الآن، خطوات متثاقلة إلى القاعة الرئيسية حيث تعقد الندوة.
أطل برأسه، يتفحص المقاعد الواحد تلو الآخر، ستة أشخاص يجلسون بطريقة عشوائية، المنصة يغطيها رداء أخضر ، قنينتي مياه معدنية تمتلآ إحداهما حتى النصف و الأخرى أقل قليلا، علبة مناديل خاوية، و أوراق مبعثرة تبدو مخلفات لعملية تسويد غير مكتملة، المنصة ترتفع عن مستوى القاعة قليلا لكنها خالية من أي شيء مهم.
يفتح الجريدة من جديد، يتفحص توقيت الندوة، إنه متأكد مما قرأ، عيناه لم تخذلانه. اتخذ مكانا بين اثنين يبدو أنهما يدخلان مكانا فسيحا ومكيفا لأول مرة، نظر في ساعته مطولا، مطّ شفتيه، ثم قال بصوت مرتفع و متعمد: ألم يحضر أحد بعد، أليس مكتوبا في هذه الجريدة اللعينة أن الندوة تبدأ منذ نصف ساعة مضت؟. التفت إلى الجالسين بجانبه، لم يردا بكلمة واحدة، فقط أحدهما حركة منكبيه تعبيرا عن نوع من الاستنكار أو اللامبالاة، أو لنقل أنه معتاد على هذا النوع من الأحداث.
دخل شخص من الباب الجانبي للبناية، يرتدي بنطلون جينز أزرق اللون، يضع نظارات تبدو غالية الثمن من بعيد، وضع ورقتين على المكتب الخاص بالمحاضر، أجال نظره في القاعة، انصرف مع حركة آلية من يده اليمنى ثم بدأ صوت قدميه يختفي رويدا رويدا وهو يصعد السلالم إلى الدور العلوي.
كانت الساعة في حدود السادسة مساء عندما دخل شابين يرتدي الأول منهما " دراعة " تبدو غالية الثمن يبدو ذلك من نوع الخياطة التي تطرز جيبها، و يزيدها نوع القماش المصنوعة منه، تستطيع دون عناء أن تكتشف أنه معجب بنفسه، كان ينظر إلى القاعة باشمئزاز أو تكبر، لم يستطع " ألَمِينْ " أن يتبين من ملامحه إلا أنفه الطويل و وجنتيه البارزتين و عينين تبدوان مستديرتين من بعيد بشكل غير متوقع، أما الآخر فلم يكن إلا الشخص الذي دخل قبل ذلك بتينك الورقتين الخاليتين من أي حرف.
أفرد الورقتين ثم نظر إلى الحضور مرة أخرى وقال: لقد قررنا تأجيل الندوة إلى وقت آخر سيحدد لاحقا. وقف بسرعة ثم غادر من نفس الباب يتبعه صديقه صاحب الورقتين. تبادلنا النظرات في ذهول ثم خرجنا من الباب حيث دخلنا. تذكرت حارس الساحة الثقافية الوحيدة، أجريت مقارنة بسيطة بين الرجلين، فبدى ساعتها أنهما يشتركان في كل شيء.
منشورة على مدونتي على الرابط:
https://alraeyelhour.blogspot.com/2017/03/blog-post_16.html#.WMpSqTvJzIU
مقابلة أجريت معي في إذاعة موريتانيا حول " القصة القصيرة و إسهاماتها في الساحة الثقافية الموريتانية " وذلك بتاريخ 19/02/2017 ، وقد تناولت من بين أموري أخرى قدرة القصة الشبابية الموريتانية على استنطاق الواقع الثقافي لموريتانيا و كيف للقصة الموريتانية أن تصل لمستوى أعلى من الإبداع و قدرة الشباب على الكتابة القصصية في ظل مجتمع غير متعلم.
رابط المقابلة على قناتي على اليوتيوب
مقابلة أجريت معي في إذاعة موريتانيا حول " القصة القصيرة و إسهاماتها في الساحة الثقافية الموريتانية " وذلك بتاريخ 19/02/2017 ، وقد تناولت من بين أموري أخرى قدرة القصة الشبابية الموريتانية على استنطاق الواقع الثقافي لموريتانيا و كيف للقصة الموريتانية أن تصل لمستوى أعلى من الإبداع و قدرة الشباب على الكتابة القصصية في ظل مجتمع غير متعلم.
رابط المقابلة على قناتي على اليوتيوب
https://www.youtube.com/watch?v=nNes15wZoRQ&feature=youtu.be
أظهر الكل ..وقف في غرفته وحيدا ، شاخصا بناظريه اتجاه الصورة العتيقة ، المثبتة على جدار غرفته الشمالي، تثاءب ، تمطى، ثم قال ، لو وهبتني قوة أتغلب بها على عبادك المارقين ، الخارجين عن طاعتك لحوّلت هذه الأرض التعيسة الى جنة دنيوية، هبني قوة أقهرهم بها حتى يتبعون وحيك المقدس، ثم جثم على ركبتيه وأعاد نفس الدعاء حرفيا.
كان يرتدي " فانيلته " القديمة نفسها، إنها مباركة ، بل جزءا من طقوسه اليومية التي لا تتم بدونها. بعد إتمام الطقوس كانت الدموع تنهمر من عينيه خشوعا، عاد لنومه ففانيلته المقدسة تمكنه من نوم ...
وقف في غرفته وحيدا ، شاخصا بناظريه اتجاه الصورة العتيقة ، المثبتة على جدار غرفته الشمالي، تثاءب ، تمطى، ثم قال ، لو وهبتني قوة أتغلب بها على عبادك المارقين ، الخارجين عن طاعتك لحوّلت هذه الأرض التعيسة الى جنة دنيوية، هبني قوة أقهرهم بها حتى يتبعون وحيك المقدس، ثم جثم على ركبتيه وأعاد نفس الدعاء حرفيا.
كان يرتدي " فانيلته " القديمة نفسها، إنها مباركة ، بل جزءا من طقوسه اليومية التي لا تتم بدونها. بعد إتمام الطقوس كانت الدموع تنهمر من عينيه خشوعا، عاد لنومه ففانيلته المقدسة تمكنه من نوم هادئ وفي رعاية الرب.
استيقظ مبكرا فمجموعة المارقين تحتاج لقوة جبارة تلك التي يستمدها من جسد الرب الواقف دوما في تلك الصورة المقدسة، مستعدا لتلبية نداء عبده الفقير الصالح.
الخطوة الأولى تتمثل في القضاء فكريا على معتقدات الفساق الوثنية، نهض، أخذ ورقة وقلم وخط بأنامله التي تقطر وحيا طازجا أول سطر في المسيرة العظيمة ( إليكم أيها الكفرة، اعلموا أنكم قد ضللتم وسلكتم طريق جهنم ، إني آت إليكم لأخلصكم من الشيطان الرجيم....فلتستعدوا إني قادم إليكم..)، ثم لف الورقة نصفين متساويين بطريقة طقوسية جميلة بانتظار بقية الوحي.
وضع الورقة خلف صورة الرب المعلقة على الجدار لتكتسي قدسية مضاعفة، وجلس يتأمل!، ثم أخذت أسئلة كثيرة تدور في رأسه ( كيف لهؤلاء أن يفتروا على الله؟ ، كيف لهم يا ربي أن يكذبوا عليك؟ ، اللهم ارزقني قوة كافية لأخلص عبادك المستضعفين. الظلم ، القهر والتجبر، هل هذا معقول؟ ، ثم عدل من جلسته ونظر الى سماء غرفته الضيقة وجال بناظريه كثيرا كمن ينتظر شيئا.
أخيرا أعاد النظر إلى الصورة ، إلى ربه المتمثل في تلك الصورة التي طالما أعانته بركتها، لقد اعتبرها ربا مخلصا منذ تلك اللحظة التاريخية التي لا تنسى، إنه يحتفظ بها لنفسه فهي علامة الرضى وهو شيء بينه وبين ربه.
عاد و أخذ الورقة وفتحها بهدوء تام كمن يحافظ على شيء بالي من التمزق عند أول لمسة، ثم أفرج عن ضحكة عريضة حتى بانت أسنان فكيه بشكل كامل، قال: تلك هي اللحظة المنتظرة، وبدأ يكتب ( تعرفون أن الرب لا يمكن أن يظلم ، إنه عادل تماما، لقد خلقنا لنعبده، لا أن يَعْبُد بعضنا بعضا، لقد قسمنا أشكالا وألوانا، ورسم لنا طريقا تقرب إليه، هكذا فهمت من ربي، فهل يمكن أن أكون مخطئا؟، أما هو فلا يخطئ، بل هو الصواب بعينه، هذه أول الوصايا وستأتيكم البقية بالترتيب ولن تنقطع عنكم حتى تهتدوا، إني أخشى أن يصيبكم غضبٌ من ربكم بسبب افتراءكم وكذبكم).
أعاد الورقة خلف الصورة لتكتسب قدسية إضافية، فهي موجهة لقوم لا يفقهون. بعد وقت وجيز أخذ الورقة وفتحها بالطريقة عينها، وأعاد قراءتها بهدوء تام ، وعينيه يشع منهما بريق مضيئ انعكس عليهما من النور الذي ينبعث من الورقة بين يديه. انتهى من القراءة، طوى الورقة، ثم جلب ظرفا أنيقا ووضعها داخله بعناية شديدة وكتب عليه، إلى عباد الله الضالين،،،إليكم الخلاص وكتب على وجه الظرف الآخر " العبد الصالح ".
نزل السلم بهدوء، بعث الرسالة عبر البريد، ثم عاد، جلس في غرفته منتظرا ردة الفعل التي ستحدثها تلك الرسالة المقدسة. كانت جريدة " الضمير الحي" الوحيدة التي تصدر في اليوم الموالي، لقد اختارها عن قصد، هي الأكثر قراءة، والأكثر نضجا والأكثر توزيعا في الأماكن حيث يكثر الظلم باسم الله، البريء طبعا من كل ما ينسب إليه زورا وبهتانا.
أزاح نظارته السميكة، وضعها على منضدة الكتب بجانبه، بدأ يفرك عينيه الدامعتين باستمرار، يتمنى في أعماق نفسه أن تكون خطوة موفقة تلك التي بدأ بها مسيرة الخلاص، أو مسيرة النقاء كما يحلو له أن يسميها.
فتح نافذته المطلة على الشارع العام كعادته كل صباح ، أغلق النافذة ، خرج ووقف في الشرفة، هناك ضجيج قوي آت من بعيد، استمع بإنصات شديد، بدأ الصوت يقترب شيئا فشيئا، والكلمات تأخذ طريقها إلى مسامعه بشكل أوضح، ثم انبثقت جموع هائلة كالموج من الجهة المقابلة له تماما، كان الناس يحملون صورا مكبرة لم تكن من القرب بحيث يتبينها، لكن الكلمات تقول، أقتلوا الكافر ، اقتلوا الزنديق، نحن أهل الحق، انت الضال الفاسق، دلف إلى الداخل ، أغلق باب غرفته بإحكام شديد وجثم أمام تلك الصورة وقال: يا رب لقد بدأت المعركة فانصرني على القوم الضالين، انت القوي، انت القادر. الصوت يقترب بشدة ، الأرضية تهتز بعنف ثم فقد الوعي ولم يستيقظ مطلقا.
أظهر الكل ..بناية شاهقة، تتوسط العديد من البنايات المتشابهة، لكنها تتميز بلون واجهتها الجنوبية المطلية حديثا بالأصفر ، لقد أعطيت هذا اللون عن قصد حتى تأخذ شكلا أنيقا وفخما يبرزها بشكل خاص. دلفت من الباب الخارجي للعمارة، كانت كل الدلائل تشير إلى فخامة نادرة وأناقة صينية من آخر تصميم لمهندس بارع.
كانت غرفة التحرير في الدور الخامس، فسيحة جدا و مريحة، تتوسطها منضدة بيضوية الشكل بطول الغرفة تقريبا، ومن صنع إيطالي، الكراسي تتناثر هنا وهناك بجانب المنضدة، موضوعة بشكل غير مرتب ، وكانت أيضا بأشكال مختلفة. ...
بناية شاهقة، تتوسط العديد من البنايات المتشابهة، لكنها تتميز بلون واجهتها الجنوبية المطلية حديثا بالأصفر ، لقد أعطيت هذا اللون عن قصد حتى تأخذ شكلا أنيقا وفخما يبرزها بشكل خاص. دلفت من الباب الخارجي للعمارة، كانت كل الدلائل تشير إلى فخامة نادرة وأناقة صينية من آخر تصميم لمهندس بارع.
كانت غرفة التحرير في الدور الخامس، فسيحة جدا و مريحة، تتوسطها منضدة بيضوية الشكل بطول الغرفة تقريبا، ومن صنع إيطالي، الكراسي تتناثر هنا وهناك بجانب المنضدة، موضوعة بشكل غير مرتب ، وكانت أيضا بأشكال مختلفة. هناك إحدى عشر شخصا يتوزعون بشكل غريب، وكأنها طريقة طقوسية خاصة، كل اثنين متجاورين، يتناجيان في أمر ما، وتصدر عنهم ابتسامات باهتة و مبهمة بين لحظة وأخرى، جدران الغرفة من وراء ظهورهم لا تتوفر على أي زخرفة، صامتة، بل ميتة ، تماما كما تركها صاحب الطلاء، كنت قد تلقيت دعوة لمقابلة صديق قديم ، إنه "عمر" ، هو رئيس التحرير بذاته ، لقد تغير بعدي تماما، ولكن أنفه المدبب لا يزال كما هو، كما أن شاربه العلوي احتفظ بنفس الهيئة دون تغيير مطلقا، أما لحيته وكالعادة فكيوم ولدته أمه، هكذا كان يمزح معي عندما نتقابل، يمرر يده عليها ويقول لي، ستكون هكذا دائما كما ولدتني أمي. ما تغير به فقط هو وجنتيه التين انتفختا قليلا بعد أن كانتا غائرتين، كما أن بشرته الأريترية صارت أكثر نضارة أما لون شعره فلا زال يحتفظ بطبيعته.
كؤوس الشاي تدور علينا بشكل سريع جدا، الكل منتشي ، آخر كأس صنعه لنا محمد أثار حالة النشوة هذه، مال علي أحد الموجودين وقال بشكل مازح، محمدٌ هذا متخصص في صنع الشاي بشكل لا يوصف، لكن المزحة لم تعجبه فهو يعتبرني غريب يجب ألا تفشى له الاسرار. أشار صديقي رئيس التحرير لمحمد أن كفى، أو أن اخرج، ثم تنحنح قليلا ليهيئ الحضور لتلقى التوجيهات الصباحية والملاحظات المسجلة، عدل من هيئته، ثم حرك جهاز الآيباد قليلا بين يديه كأنه يتباهى به وابتسم بهدوء شديد. بذلته تركية الطراز، غاية في الأناقة، ساعته سويسرية فاخرة، ينظر إليها بين الفينة والأخرى. قال بشكل جاد ، أنتما الجالسان هناك في الطرف، لم تنفذا عملكما ليوم أمس بالشكل المطلوب، و أنت أيضا- أحد الجالسين بجانبه- ، أما أنتم الباقون فلا بأس بكم، لكن أريد أن تتذكروا دائما ما سأقول، لا أريد أن يشاهد أحدكم أي موضوع أو خبر جديد في أي موقع منافس إلا و أخذه وصاغه بشكل مختلف بحيث نكون نحن أول من جاء به، وتعرفون جميعا أنني لا أريد أي إشارة من قريب أو بعيد لهذا الموقع، ثم غمز بعينه مع ابتسامة مفتعلة وقال : ملاحظة أخيرة، ثم سكت، ربما انتبه إلى وجودي وكانت الملاحظة ذات وقع خاص أحب تأجيلها، التفت إلي مداعبا ، هذا هو عملنا يا صديقي، جو إعلامي مشحون كما تعلم ، يتوجب عليك أن تخلق الخبر من لا شيء، التنافس على أشده، وهكذا فقط سنبقى المتصدرين كأعلى جريدة مبيعا وموقعا أكثر متصفحين على الإطلاق.
كان الشخص الحادي عشر موظفا جديدا تمت الاستعانة به نتيجة قوة المنافسة، لعله يضيف قيمة مضافة تحافظ على تصدر المؤسسة لوسائل الإعلام المحلية، لكن يبدو أنه لم يندمج بعد في جو العمل، لذلك ستكون له حصة منفردة من التعليمات. طلبني صديقي إلى غرفة خاصة، ثم دعا الشخص الحادي عشر، قال له ، إسمع، أولا ، لا نريد أخطاء لغوية، لا إشارة لأي موقع في مؤسستنا مهما نقلت عنه من أخبار – هم يفعلون نفس الشيء معنا- ، لا تنتقد الحكومة مطلقا، ثم لا تنتقد شركات الإتصال أيضا، أما الجيش فخط أحمر، والرئيس لا تذكره إلا بكلمة مديح أو شكر ، هذه هي المهنة يا صديقي، أن نحافظ على رموزنا الوطنية والسيادية هو عمل صالح، أليس كذلك؟ ، لم أجب بكلمة واحدة. في نفس اللحظة رن هاتف صديقي، أشار إلي بيده لأسكت، إنه الوزير وأفرج عن ابتسامة عريضة أظهرت لأول مرة أسنانه المتراصة بعضها فوق بعض، لم تكد تلك الابتسامة تكتمل حتى تحول وجه صديقي إلى الضد تماما، ماذا تقول سيادة الوزير؟ إساءة لكم شخصيا في موقعي أنا ! هل هذا يعقل ! ، سوف أتصرف حالا، سأحذف الخبر وأحذف من وضعه في الموقع أيضا، أبشروا سيدي الوزير وتقبلوا اعتذاري مقدما، أزبد وأرغد، ثم توارى خلف باب غرفة التحرير. بعد برهة خرج إلي ، لا يزال لونه ممتقعا، قال لي لقد فصلته ، وبالمناسبة هذا ما كنت أريد أن أحدثك بشأنه، نريدك أن تعمل معنا في المؤسسة لما لا حظت من نبل ومثابرة فيك ، لكنني قلت على عجل ودون أن أترك له مجالا ليكمل، أنا لا أعمل في غرفة بلا ضمير وأوصدت الباب خلفي بكل ما أوتيت من قوة.
أظهر الكل ..