على جانب الطريق المزدوج المؤدي إلى المجهول، يرعى قطيعا من الأغنام. العشب وافر، والمكان آمن، فلا ذئاب تشتت قطيعه المتجانس، ولا قاطع طريق يزرع خوفا بين الصخور وهي تسند بعضها، كجسم واحد، وتسنده.
يحمل وجبته المكررة في كيس قديم وقنينة ماء من عين جارية، تتدفق من رأس الجبل الأشيب بالضباب وهو يصنع شموخه وكبرياءه.
رغم كل هذا الأمان إلا أنه يخاف على قطيعه كخوفه على نفسه وأمه المريضة، البعيدة عنه. لم تنس زوجها وأولادها الذين ماتوا بمرض الطاعون، تتشبث به كعكاز متين، غيابه كالموت، رغم صغر ...
على جانب الطريق المزدوج المؤدي إلى المجهول، يرعى قطيعا من الأغنام. العشب وافر، والمكان آمن، فلا ذئاب تشتت قطيعه المتجانس، ولا قاطع طريق يزرع خوفا بين الصخور وهي تسند بعضها، كجسم واحد، وتسنده.
يحمل وجبته المكررة في كيس قديم وقنينة ماء من عين جارية، تتدفق من رأس الجبل الأشيب بالضباب وهو يصنع شموخه وكبرياءه.
رغم كل هذا الأمان إلا أنه يخاف على قطيعه كخوفه على نفسه وأمه المريضة، البعيدة عنه. لم تنس زوجها وأولادها الذين ماتوا بمرض الطاعون، تتشبث به كعكاز متين، غيابه كالموت، رغم صغر سنه.
قوافل من الشاحنات والسيارات، في الاتجاهين، سائرة بسرعة جنونية..
يطرح على نفسه أسئلة حول هذا التجويف الذي يحتويه، لأنه لم يغادر المكان ميلا واحدا.
- إلى أين تتجه هذه المحركات؟
يرى السماء كقبة، نهايتها خلف الجبل. الدنيا رائعة عندما يكون هكذا قطرها، شمس واحدة تغيب لتعود، وقمر ألف الانتقاص في كل مرة من عمره، لا يحزن لذلك!
بينما هو يستمتع بأصوات المحركات، الضعيفة والقوية..فجأة سقطت علبة كبيرة في الطريق، في الجانب الأقرب، كانت ملونة، ذات ألوان مختلفة، و بريق لا مثيل له، وشكل غريب، هل هي مربعة، أم مستطيلة، أم مضلعة ؟ !
جلس على حجر، يرقبها و هو مندهش بروعتها، تقلبها الريح على كل جانب..
- أهي خفيفة إلى هذا الحد، يُعبث بها دون مقاومة أو ثبات منها؟ !
لم تهدأ الريح، واصلت عتوها وجبروتها، ولم يوقف هو رياح اهتمامه بها.. تعبت روحه وهو يتبع تقلبها بعينيه الصغيرتين، الذابلتين.
- ترى ماذا يوجد بداخلها؟ !
يحدث نفسه عند كل وجه جديد من أوجهها المختلفة، كلوحة من لوحات الإغراء والاستهواء.. يبلل شفتيه بشربة ماء من قنينته التي نقص عمرها.العرق يتصبب من جبينه رغم أن الجو كان باردا قليلا، أما القطيع فكان يرعى في هدوء، لا يبالي بالضجيج من حوله مستمتعا بالغياب عن هذا العالم المتقلب في سكره !
واصل تتبع خطاها، دون أن يلمسها، يصعب عليه الاقتراب من الطريق. يسميه الرعاع بطريق الموت.. كم حصد من بشر وبهائم !
- ليتك تبقين وحيدة دون خوف يحيط بك، أيتها الجميلة، يا لبريقك الأخّاذ، أكيد أن في داخلك شيئا ثمينا، ربما يمكنني من شراء قطيع آخر، أو بيت مثل بيوت شيخ القبيلة.
ابتعد مسافة كبيرة، لم يلتفت خلفه من شدة انبهاره بتلك الملعونة، المجنونة، الساحرة.
ظل يجري خلفها حتى توارت الشمس بالحجاب. عاد الكلب والحمار يقودان القطيع، عادين إلى البيت تاركين حطب صاحبهم قرب صخرة. سلكوا طريقا رسمته أرجلهم بأفكاره وحيله، كحبل متين لا ينقطع، لا تقدر الأمطار الموسمية أن تمحو أثره !
واصل مسيره خلفها لعلها ترحم ضعفه ولهفته اللامتناهية، ناسيا أو متناسيا الريح التي تقذفها-في كل حين- إلى مكان بعيد. يلتفت إليه العابرون التفاتة شفقة، كمجنون أو سائر في طريق الجنون !
أصابه الجوع والعطش ، أكل ما بقي من طعامه وشرب كل قطرة ماء.
استراح قليلا، وعيناه نحو القمر داعيا ربه أن يعينه على اللحاق بها لعل حاله يتبدل لكنها واصلت تدحرجها بين الشاحنات والسيارات وكأن هذا الطريق لا يعرف الهدوء، يرضى الضجيج كسلام دائم !
أعجبه القمر وهو يبدي جماله، يصنع هالة في السماء .
في لحظة تأمل ابتعدت هي كثيرا، لكنه واصل الجري خلفها وقد أخذ منه التعب كل مأخذ، الحزن يعصر قلبه، لم يستطع المسير وسارت هي إلى المجهول وبريقها يأخذ لباب قلبه والدمع يملأ مقلتيه كطائر جريح مقصوف الجناحين.
- آه، يا لتعاستي، كم أنا متعب، كيف استطعت قطع هذه المسافة؟، كيف أستطيع العودة و كيف أواجه الريح و هي تصفع وجهي، بل تهز جسمي الضعيف كله؟
بدأ مسيرة العودة، يلتفت كل حين لعلها تتبع خطاه وتلبي رغبته وهواه !
سلك ذات المسلك حتى لا يتيه.. أصوات الذئاب في كل ناحية وفي كل ركن، يكاد قلبه يخرج من قفصه خوفا لولا ضوء القمر لمات من بداية الليل، أنسته تلك الملعونة رعب المكان و غفلة الزمان .
- أإلى هذا الحد يكون وجه الليل؟ !
سمع أصوات متعبة، مبحوحة تناديه:
- يا أيها الصغير، هل رأيت علبة جميلة في الطريق؟
- نعم..نعم..لقدر مرت من هنا..
استأنس بوجودهم بعض الوقت، لكنهم تركوه، مهرولين خلفها، سكارى، تائهين، غير مبالين بالذئاب التي مرت بقربهم.
فكر في حيلة تخلصه من الذئاب.. تساءل عن مصير أغنامه وحماره وكلبه..حاول التسلل.. مشى مسافة معتبرة، فجأة وجد نفسه محاطا بقبيلة من الذئاب، عيونها مرعبة..مرعبة.. صاح بأعلى صوته طالبا النجدة.. ما أصعب أن يلقى المرء حتفه بهذه الطريقة..
- أنقذوني..أنقذوني..الذئاب تحاصرني ..الذئاب..الذئاب..
استيقظت أمه من شدة الصياح وأيقظته و ضمته إلى صدرها وأخرجته من كابوسه المزعج.
في الصباح خرج للرعي ممتطيا حماره، يتبعه كلبه وقطيعه. الطريق لا يزال يركبه جنونه، يغرس طرفيه في المجهول..
سقطت علبة كبيرة من شاحنة مسرعة، كانت أروع من الأولى.. شكلها غريب وألوانها أكثر غرابة، لم يعط لها اهتماما لأنه لا يريد تكرار التجربة مرة أخرى..
ولكن ما الذي جاء بالذئاب إلى هذا المكان الآمن؟ ! . غرقت عيناه في الدموع، ولبس قلبه الخوف فآوى إلى صخرته ذات القرار لعلها تحميه من أنيابها المخيفة، لكنها هجمت عليه ككتلة واحدة، تهز الصخرة هزا..
انطوى كالجنين في تجويفه لعل ينال أنسا، ويبعد خوفا..يبكي لأنه لم يستطع أن يحمي قطيعه..
الذئاب..خلقت للافتراس..
فجأة ربّتَتْ أمه على كتفه، ثم ضمته إلى صدرها بقوة، واحتوته احتواء الكون..
علم أن الكابوس لم ينته بعد..
أظهر الكل ..أنهى خطبته البليغة عن "الرحمة "، بدأ صلاته بحروف ممددة، طفل في الطابق العلوي يبكي، يبحث عن صدر أمه، قلبها معه، لم ينه -هو- صلاته إلا بعد دمعة من عينها، خرج المصلون غاضبين.
(من مجموعتي القصصية)
خبّأتِ الفراشةُ الحكايَهْ
بينَ جناحيْنِ مزركشيْنِ
حَالِمَين ،
غَارقين في عطرِ الزهورْ
مُلوّحيْنِ للحمامْ
مُوَحّدَيْنِِ للسَّلامْ
منْ شرفةٍ يرقبُ خَيطَها الحَزِينِ
بَاكياً ، مبتِسماً.. !
ترسمُ خلفَها النهاياتِ
خُلوداً ،
جُمَلاً
تَسبحُ فِي الخَيالِ
تخترعُ الألوانَ
كَي يَسكنَهَا الإنْسانُ
أوْ يلبسَهَا
، يركَبَهَا
حقيقةً دونَ افْترَاءْ
لمْ تعتَرِفْ بلُعبةِ القوسِ المغادرِ
الذي يخ ...
خبّأتِ الفراشةُ الحكايَهْ
بينَ جناحيْنِ مزركشيْنِ
حَالِمَين ،
غَارقين في عطرِ الزهورْ
مُلوّحيْنِ للحمامْ
مُوَحّدَيْنِِ للسَّلامْ
منْ شرفةٍ يرقبُ خَيطَها الحَزِينِ
بَاكياً ، مبتِسماً.. !
ترسمُ خلفَها النهاياتِ
خُلوداً ،
جُمَلاً
تَسبحُ فِي الخَيالِ
تخترعُ الألوانَ
كَي يَسكنَهَا الإنْسانُ
أوْ يلبسَهَا
، يركَبَهَا
حقيقةً دونَ افْترَاءْ
لمْ تعتَرِفْ بلُعبةِ القوسِ المغادرِ
الذي يخبئُ الألوانَ
خِفّةً
لنذرفَ الدموعْ
يَسألُها:
متَى وُلدْتِ كيْ أموتْ ؟ !
أيّتُها الجميلهْ
أنا حزينْ.. !
بالكلماتِ ،
أقرأ الأسْفارَ كيْ أعلمَ سرّ عُمْرك
القصيرْ.. !
هَل تَعلمِينَ موعِدَ الرَّحِيلْ ؟
هلْ تستُرينَ رجْفةَ العليلْ ؟
ثمّ بكَى طَويلاً
طَويلاً
واخْتار مَقعدَ الحديقةِ القديمْ
يهزهُ مثلَ صغيرٍ يرتضِي منامَهُ
مبَكِّراً ليأخذَ الحَلوَى صباحاً .. وحدَه.. !
ونامَ نومَ الخالدينْ
ومَاتتِ الأسئلةُ
العنيدهْ
وخبّأتْ سرَ الرحِيلِِ منْ جَدِيدْ
تَحيَا الحَياةَ
جُملةً .. كمَا هِي..
أظهر الكل ..تطير ككل الفراشات ..!
، مسكونةً..
، الحلم يأخذ كلَّ المسافات
حتّى الجراحات ..حلم جميل ..
كسُكرٍِِ لليل طويل ..
يمد مداه إلى الشمس حين تعود ..
لتعلم عند الطلوع
أنها الغياب ..
..بنصف الحقيقة ..
، مثل السراب..
، ويسخر منها الصغير..
تطير لربع الدقيقة نحو السماء
تحضن الهواءَ..وحبلاً يقيدها ..
..والفراشات تلهو في الفضاء..
تكتب الأمنيات
قبل المساء..
تطير ككل الفراشات ..!
، مسكونةً..
، الحلم يأخذ كلَّ المسافات
حتّى الجراحات ..حلم جميل ..
كسُكرٍِِ لليل طويل ..
يمد مداه إلى الشمس حين تعود ..
لتعلم عند الطلوع
أنها الغياب ..
..بنصف الحقيقة ..
، مثل السراب..
، ويسخر منها الصغير..
تطير لربع الدقيقة نحو السماء
تحضن الهواءَ..وحبلاً يقيدها ..
..والفراشات تلهو في الفضاء..
تكتب الأمنيات
قبل المساء..
أظهر الكل ..أورثتني الذل المبين *** فأنا على الدرب حزينْ
أمشي على راسي كأني** أقتفي أثــر الجنـــــــــــــــــــونْ
فرشي مريح ليتــه *** أمسى مريحا للجفـــــــــــــونْ
بعد فيضان عاطفته ، فكّر في كتابة رواية عاطفية ، طويلة ، حزينة ، غارقة في الحزن.
اختار المكان المناسب ، والزمن الأنسب ، والكلمات الجارفة للقاسية قلوبهم ،والحارقة للزارعين بذورا في رماد أطلال الوهم والنسيان.
جمع شخصياتها ، من ذكر وأنثى ، الخيّرة و الشريرة ، الغنية و الفقيرة ، الصغيرة والكبيرة ، اجتمعوا كلهم في صعيد ورقة بيضاء يقودهم قلم أزرق يسنده أخر..إلا شخصية واحدة كانت عصية على أن تكون تحت قبضته، يسوقها كيف يشاء، يقلّبها على بساط الترف والشطط ..إنها شخصية الحمّال الذي لم يعجب ...
بعد فيضان عاطفته ، فكّر في كتابة رواية عاطفية ، طويلة ، حزينة ، غارقة في الحزن.
اختار المكان المناسب ، والزمن الأنسب ، والكلمات الجارفة للقاسية قلوبهم ،والحارقة للزارعين بذورا في رماد أطلال الوهم والنسيان.
جمع شخصياتها ، من ذكر وأنثى ، الخيّرة و الشريرة ، الغنية و الفقيرة ، الصغيرة والكبيرة ، اجتمعوا كلهم في صعيد ورقة بيضاء يقودهم قلم أزرق يسنده أخر..إلا شخصية واحدة كانت عصية على أن تكون تحت قبضته، يسوقها كيف يشاء، يقلّبها على بساط الترف والشطط ..إنها شخصية الحمّال الذي لم يعجبه تقمص شخصية ذاك الرجل الثري، صاحب الكلمة التي لا ترد، الجبّار..!
لا يطيق فراق عربته الصغيرة ،يجرها كل صباح باكر، متجها نحو أصحاب الدكاكين الكبيرة ليكون مع رفقائه،منتظرا دوره ، داعيا أن يكون سيده سخيا يدفع له دراهم معتبرة مقابل حمولة ثقيلة يأخذها إلى مكان بعيد.
فكر طويلا ثم عرض عليه أن يكون صاحب أعلى مكانة في الحياة كلها لكنه امتنع وقال له:
- دعني وعربتي ، تجرني وأجرها ، تدفعني وأدفعها ، من يبتسم لهؤلاء ؟ ..من يأكل رغيفي اليابس الذي لا ينغمس في زيت المترفين..؟!..عد إلى قلمك وورقتك..
واكتب ما تشاء ..إلا اسمي..
مزّق الورقة، وأخرج أخرى، وبدأ رواية جديدة تناسب عناده وكبرياءه ،.. فنص الحياة لا يمكن يكون محشوًا بالأكاذيب ..!
أظهر الكل ..مرّ بجانبها،وقد ترك رائحة عطر من زجاجة باريسية كان يخبئها في جيب معطفه،وصعد إلى غرفته في الطابق العلوي .
دخلت هي إلى غرفتها بعدما تذكرت لحظة اللقاء الأول،راحت تبحث في خزانتها عن صور تحفظ الذكريات الجميلة؛الابتسامة لم تفارق وجهه وهو على أريكته الجلدية ومائدته ذات الزخرفة الشامية .
- ما أطيب قهوتك يا سيدة البيت ..!
هكذا كان يجاملها في كل مرة وهي تقدم له قهوته ..فيحمرّ وجهها خجلا وحياء..!
ابتسمت للذكرى،وبكت لرحيله الذي مرّ عليه ثلاث سنوات كانت مليئة بالحب الدافئ .
ا ...
مرّ بجانبها،وقد ترك رائحة عطر من زجاجة باريسية كان يخبئها في جيب معطفه،وصعد إلى غرفته في الطابق العلوي .
دخلت هي إلى غرفتها بعدما تذكرت لحظة اللقاء الأول،راحت تبحث في خزانتها عن صور تحفظ الذكريات الجميلة؛الابتسامة لم تفارق وجهه وهو على أريكته الجلدية ومائدته ذات الزخرفة الشامية .
- ما أطيب قهوتك يا سيدة البيت ..!
هكذا كان يجاملها في كل مرة وهي تقدم له قهوته ..فيحمرّ وجهها خجلا وحياء..!
ابتسمت للذكرى،وبكت لرحيله الذي مرّ عليه ثلاث سنوات كانت مليئة بالحب الدافئ .
الدُرْجُ العلوي لا يزال يحضن زجاجات العطر الوردية،فرغت من كل شيء إلا من اللحظات السعيدة،كأنها ترش المكان بورد الحدائق..!
كم كانت عيناها سخية الدمع كسخاء زجاجاتها..!
دقت زوجة ابنها باب غرفتها،مسحت هي أثر الدمع.
- أدخلي ..يا ابنتي..
- عمتي،هذا العطر لكِ.. أنا لا أحبه..أخطأ ابنك في عنوانه ..!
ابتسمت ابتسامة بلون الحزن وقبلتها..
- أنا أنثى مثلك..خذي عطرك يا ابنتي واصعدي إلى زوجك وعيشي للذكرى واكتبيها بصدق ..إنما نحن صور عابرة..
أظهر الكل ..أصابه يأس من الحياة،أعجب بالمنحدرات، فكل مرة يختار منحدرا مناسبا ليتخلص من يأسه ..كلها ذات بساط عشبي جميل،تشق روعتها صخور ناتئة كأنها مسلات.
التيس الأبيض يرعى في هدوء، والراعي بأشعاره يرافق الشلال..والبلابل في تغريدها..والشمس تنسج من تجمعهم نسقا جميلا متجددا ،لا يُملّ ..!
أما هو فلا يزال يبحث عن مكان يناسبه للانتقام ..ينتقم له من روحه التي غرقت في الظلام..!
في لحظة الإنشاد،..
سُمع صوتٌ ..شق روعة المكان والزمان..
-أنقذني يا راعي الأغنام،ساعدني أرجوك،لا أريد أن أمو ...
أصابه يأس من الحياة،أعجب بالمنحدرات، فكل مرة يختار منحدرا مناسبا ليتخلص من يأسه ..كلها ذات بساط عشبي جميل،تشق روعتها صخور ناتئة كأنها مسلات.
التيس الأبيض يرعى في هدوء، والراعي بأشعاره يرافق الشلال..والبلابل في تغريدها..والشمس تنسج من تجمعهم نسقا جميلا متجددا ،لا يُملّ ..!
أما هو فلا يزال يبحث عن مكان يناسبه للانتقام ..ينتقم له من روحه التي غرقت في الظلام..!
في لحظة الإنشاد،..
سُمع صوتٌ ..شق روعة المكان والزمان..
-أنقذني يا راعي الأغنام،ساعدني أرجوك،لا أريد أن أموت ..!
هرع إليه.. فإذا به بين مسلتين صخريتين سلختا جلده ،والدماء تسيل كعنزة ذبحت اللحظة.
أخرجه بصعوبة لأن المنحدر كان خطيرا جدا والصخور كثيرة ومتشابكة .. غسل جراحه من ماء الشلال وداواها بالعشب النظيف وسقاه من حليب عنزاته ..وتركه ينام ..
عندما استيقظ أشركه ارتشاف قهوته،أزالت ألما من رأسه.
-لماذا تفعل بنفسك هكذا؟ ..لماذا تقتل وجها جميلا كوجهك أيها الشاب الرائع ؟..
- يا عمي أنا مللت من هذه الحياة ..لا أطيقها ولا أستطيع حمل أثقالها،التي تزداد كلما سار بي العمر،أليس عليّ أن أسرع في الهروب منها بأي وسيلة كانت،لكني لم أجد أقدرَ على تحقيق هدفي من هذه المنحدرات والمسلات الحادة ..؟!
- عجبت لأمرك،كيف تقول هذا وقد سمعتك تصرخ تطلب النجدة،أنت لا تريد قتل نفسك..أنت تريد قتل شيئا ما في داخلك ، تخلص منه برفق بعيدا عن روحك الجميلة .
كان في كلام الراعي شفاء لما في صدره ؛ فعزم على التخلص ممّا يسبب له آلامه..
عند الغروب ..عاد برفقته إلى القرية،يقودان القطيع ..وغبار العودة يذكره بغبار الحياة ..
أظهر الكل ..أرسل إليه صديقه " بحر البلاغة " مجازا ؛فوقع في قلبه فأصبح حقيقة .
ضمه إلى سطور كتاب الحياة ،يقرأه في الصباح والمساء .
مساء الخير..
أنا مبتدئ في هذه المدارج..فاغفروا زلاتي..