خلال إقامتي في الهند وماليزيا، وجدت ظاهرة سابقاً لم أكن أعرف فحوها أو ما مسبباتها ودوافعها، وهي أنني وجدت كثير من العرب يقولون لبعضهم أنهم لا يحبون أن يسكنوا في حي فيه عرب، أو يخالطوا العرب كثيراً، وجل صداقاتهم مع أجانب، وحجتهم من ذلك أن العرب مزعجون، أو بحجة التعرف على ثقافات أخرى مغايرة لثقافاتهم، وهي في الحقيقة حجة واهية، وتمييع للتوصيف الحقيقي التي تعاني منه تلك النفسيات، والدليل أنهم منكفئون على أنفسهم أشد انكفاء، متجهون نحو نمط الفردية والعزلة. لا أتكلم هن ...
خلال إقامتي في الهند وماليزيا، وجدت ظاهرة سابقاً لم أكن أعرف فحوها أو ما مسبباتها ودوافعها، وهي أنني وجدت كثير من العرب يقولون لبعضهم أنهم لا يحبون أن يسكنوا في حي فيه عرب، أو يخالطوا العرب كثيراً، وجل صداقاتهم مع أجانب، وحجتهم من ذلك أن العرب مزعجون، أو بحجة التعرف على ثقافات أخرى مغايرة لثقافاتهم، وهي في الحقيقة حجة واهية، وتمييع للتوصيف الحقيقي التي تعاني منه تلك النفسيات، والدليل أنهم منكفئون على أنفسهم أشد انكفاء، متجهون نحو نمط الفردية والعزلة. لا أتكلم هنا عن العزلة التي تبحث عن الهدوء من أجل العودة، بل أراها عزلة من أجل المفارقة واللاعودة.
لا زلت أذكر أحدهم حينما جاء في زيارة إلى ماليزيا قال لي أنه لا يطيق الأكل العربي، قلت له وماذا تعمل في بلدك؟ قال على المطاعم الخارجية والوجبات السريعة. والبعض الآخر يقول لي أصبحت أجيد التعبير باللغة الإنجليزية أكثر من اللغة العربية، وظاهرة اللغة هذه لم تعد محصورة على بلدان المهجر، من خلال احتكاكي مع عائلات قادمة من الكويت وقطر والسعودية، أصبحت العائلات تمارس اللغة الإنجليزية مع الأطفال في البيوت بدلاً من اللغة العربية.
لم ينتهي الأمر هنا، انتقلت هذه الظاهرة من مجرد كراهية العيش والأكل واللغة لدى الكبار، إلى طريقة تربية لدى الصغار، أصبحت العائلات الميسورة تُنفر أبنائها من التعليم باللغة العربية، الحضانة صينية، المدرسة التي يدرس فيها الأبناء صينية أو بريطانية، اللغة التي يتم التعامل بها في البيت مع الأطفال الإنجليزية، طريقة جدول الأكلات تحول من المطبخ العربي إلى الوجبات الخفيفة والخبز الإيطالي والروتي الفرنسي.
في أحد المرات سألت صديقي ما معنى هذه الكلمة بالعربي من باب الجهل بمعناها طبعا لا من باب الاختبار، قل لي لا أحب أن أترجم إلى العربية، يكفي أن أفهمها من دون معرفة معناها، كذلك لاحظت أن الكثير من الشباب تعمل هواتفهم باللغة الإنجليزية. قلت مرة لصديقي وكان حافظ للقرآن الكريم، وهذا بنظري لا يعني شيء ولكن من باب أن اللغة العربية تعتبر مهمة كونه حافظا، لماذا لغة جوالك وكل البرامج بجوالك ولغة الكمبيوتر لديك باللغة الإنجليزية؟ قال يا أخي صعب التعامل بالعربية أحس أن فيه شيء مش صح.
قبل فترة يكلمني طالب طاجكستاني قال عجيب ما في عربي طلب صداقتي في التواصل الاجتماعي إلا وكاتب اسمه باللغة الانجليزية، لماذا لا تكتبون أسمائكم بالعربية؟ قلت له ساخراً: من أجل يكون ملائم للبرستيج وذوق العصر.
في العام 2016م في الهند قال صديقي تعمدت أن أبحث عن عمارة ليس فيها مسلمين، قلت لها يومها مازحا على أساس أنك مسيحي، قال لا بس يا أخي أشتي أخذ راحتي من ناحية، ومن ناحية قال تعاملهم تعبان.
على مستوى القراءة أيضاً، من خلال ملاحظتي للموضة التي بدأت الأن في أواسط الشباب، توجهم نحو الروايات الغربية والأجنبية، أكثر من ميلهم نحو الروايات والكتب العربية، مع أن ما يقدمه الكاتب العربي شيء يضاهي في طرحه ومستواه ما يُقدم في الغرب. بل بنظري ما يقدم حالياً في الغرب من روايات، لم يعد كما كان سابقاً، بتنا نجد روايات لا روح فيها، وذلك أن الروح منزوعة من ثقافتهم قبل أن تكون في رواياتهم، خيال بلا روح.
قبل فترة طلب مني صديقي رواية عربية ولكن بشرط أن تضاهي رواية شفرة دافنشي لدان براون، قلت له قرأت شفرة دافنشي ولم أكملها ولم أجد فيها شيء مُلفت، ولكن لك أن تقرأ موت صغير لعلوان أو حرب الكلاب الثانية لنصر الله، قال من العناوين شكلهم ما يطمئن، قلت له لو كان مكتوب عليها اسم أجنبي لوجدتها تطمئن.
حتى على مستوى الغناء وجدت الكثير من الشباب يتجهون نحو الأغنية الإنجليزية، قلت مرة لأحدهم ماذا عساك تشعر جراء سماعك هذا الصراخ والدبيج؟ قال نريد أن نتعلم اللغة الإنجليزية، يعني لن تتعلمها إلا من هذا العويل والصراخ.
بعد هذا كله والعلامات كثيرة على الهروب مما هو عربي أو إسلامي من ثقافة وأدب ومروث شعبي وفلكلور، كنت بالغالب أجد صعوبة في تفسير هذه الظاهرة. وأقول في نفسي إن ما بعد هذا الفعل إلا المغادرة واللاعودة، اليوم وأنا في خضم قراءة كتاب العودة إلى الذات للمفكر الإيراني الكبير علي شريعتي، عرفت ما هي الدوافع التي قد تجعل شخصا ما يُبدي هذا النفور والتنكر للغته وثقافته وكل ما ينسب إليه، وإن كنت أرجع ذلك النفور إلى جملة دوافع ومسببات لها علاقة بالوضع الذي تعيشه النفسية العربية والمسلمة بشكل عام، منذ ما يقارب الـــــ 50 عاماً، إلا أنه لفت انتباهي قول شريعتي وهو يتسأل: " لماذا هذا التظاهر والنفور؟ مما الخوف؟ ثم يُجيب قائلاً: إنه الخوف من نفسه، إنه ضائق بنفسه وبكل ما تنسب إليه نفسه وبكل ما يذكره أو يذكره بالانحطاط القادم منه، إنه ممتن لكل من لا يذكره بنفسه، يهرع إليه بفخر بصداقاته أو التظاهر بصداقته. فهو لا يريد أن يرى نفسه وانحطاطه في بني جلدته.
ثم يقول: هذه الذات لماذا هي منفرة بحيث أن كل ما ينتسب إليها وكل ما من ينتسب إلى ثقافتها أو ماضيها أو دينها تريد أن تتنكر منه، يرجع ذلك شريعتي إلى الهزيمة النفسية والانحطاط الذي قدم منه.
أظهر الكل ..قيل: "الأسطورة تعيش في المجاز، والمجاز يعيش في اللغة والشعر".
الخيال والميثولوجيا كُنَّة الأدب، والأدب والرسم والموسيقى والفنون كل ذلك انسحار الإنسان بالسحر الكامن في الأشياء، الانسحار هو فعل تجاوزي سمُوّي غير دنيوي نوعاً من التجاوز والعلو من الانعتاق ومفارقة الطبيعة. هو في بداياته فعل علماني طبيعي، بوعي أو بغير وعي يتفاعل الإنسان مع ما حوله، فتبدأ رحلة التجاوز من الحسي المحدود إلى الغيبي المطلق سواء سمى الإنسان ذلك تجاوزا وعلوا أم لم ...
قيل: "الأسطورة تعيش في المجاز، والمجاز يعيش في اللغة والشعر".
الخيال والميثولوجيا كُنَّة الأدب، والأدب والرسم والموسيقى والفنون كل ذلك انسحار الإنسان بالسحر الكامن في الأشياء، الانسحار هو فعل تجاوزي سمُوّي غير دنيوي نوعاً من التجاوز والعلو من الانعتاق ومفارقة الطبيعة. هو في بداياته فعل علماني طبيعي، بوعي أو بغير وعي يتفاعل الإنسان مع ما حوله، فتبدأ رحلة التجاوز من الحسي المحدود إلى الغيبي المطلق سواء سمى الإنسان ذلك تجاوزا وعلوا أم لم يسمه، هو عجينة من الدَّنيوي والعلويَّ (بمعنى كائن ذو بعدين)، الأول تغوص أقدامه في الأرض، والثاني مشرئب العنق إلى السماء، وما بينهما شعور وتسامي ورهبة وسمو وحزن وتأمل ومحبة وإيمان، وكل ذلك همزة وصل بين الأرض والسماء، بين الأقدام والعنق المشرئب، بين الإنسان بشقيه المادي والروحي، الإنسان المؤنَّسن، والإنسان الإنساني، والتفاعل بينهما هو فعل الإنسان فيما حوله ومعرفته بماهيته وذاته.
حينما يغفل الإنسان عن إيصال كل ذلك التجاوز والشعور إلى مُبتغاه ومنبعه الأول، هو بذلك كمن يحني برأسه إلى مستوى قدميه، لا تسمو روحه بقدر ما تغوص قدميه في وحل الدنيا، فكلما أوشك به الشعور أن يرفع رأسه إلى الأعلى، أصرَّ إلا أن يستخدمه في إطلاق المتعة لقدميه أكثر فأكثر، وهو بذلك يغوص كثيراً مبتعداً عن أصله، وربما مع الوقت علت أقدامه على رأسه، وصارت أقدامه من تُسيّر عقله، والأقدام هنا هي صورة مجازية سبق واستخدمها عبدالوهاب المسيري وهي تُعبر عن مادية الإنسان والجزء الأرضي منه، بينما العنق المشرئب إلى السماء هو صورة ما يسمو ويعلو بالإنسان عن أرضيته و دنيويته.
رفع إبراهيم عليه السلام عنقه بعد أن ملّ النظر إلى قدميه، فأوصله ذلك التجاوز والسمو إلى الشمس والقمر والنجوم، ثم رفع رأسه أكثر فأكثر فرأى برهان ربه، إذ حتى الشمس والقمر والنجوم جعلهما إبراهيم ما دون رأسه فأعدهما من الدنيويات، تجاوزاً فخماً وعلواً كبيراً، فكان من إبراهيم ما قرأنا، نبياً من نسله علت أُمم، وجاء الأنبياء والرسل يعلّون ويرتقون في العلو، حتى كلم الله موسى ورفع عيسى وأكمل للإنسان علوه في أُمية محمد.
حقيقة الإنسان في وجوده الدنيوي، هو صراع توازن بين غوص الأقدام واشرئباب الأعناق، بين التجاوز والعلو وبين الإخلاد إلى الأرض، فأيما جانب غُلب على الآخر اختل توازن الإنسان، وسرعان ما تظهر في حياته ومجتمعه الأزمات والتشوهات والصراعات، فتحسب الأقدام أنها ماضية نحو الخلود، وتحسب الأعناق أنها ذاهبة نحو الشهادة، فلا خُلِد الإنسان ولا نال الشهادة، إذ هو بالخلود نسي أصله الأول، وبالشهادة نسي حقيقته الثانية.
في محاولات كثيرة سعى الإنسان إلى أن يفهم ويفسر حقيقة ذلك التجاوز، هل هو موجود؟ إلى أين يؤدي؟ إلى من يؤدي؟ ما تأثيره على هذا الكون؟ لماذا على الإنسان أن يتجاوز؟ ما الذي يضيفه التجاوز للإنسان إذا ما حققه؟
على مر العصور ظلت تلك الأسئلة تشغل تفكير البشرية، والحقيقة أن مجرد التفكير في هذه الأسئلة دون التوصل إلى أي نتيجة، هو بحد ذاته علو وتجاوز، وإثباتا من الإنسان أنه كائن متجاوز، حتى وإن لم يكن ذلك التجاوز بشكل عمودي، فالتفكير درجة من درجات السمو، والتفكير في بداياته هو نوعاً من أنواع الصعود، إلا أنه قد يتأفقن ذلك التفكير إذا ما أطال الإنسان النظر إلى قدميه متناسيا السماء، فيمتد ذلك التفكير بشكل أفقي يأخذ شكله النهائي دائرة مغلقة، لا يسمو الإنسان فيها إلا بقدر قطرها، وإن حدث وتجاوزها فمن مناظير مادية ما تلبث أن تصطدم بنظرتها الأفقية مهما بلغ ذلك التجاوز.
ففلاسفة اليونان مثلاً تساموا حينما تفلسفوا، فقالوا: مادة، سائل، أثير، أفكار، ذرات لطيفة، روح حارة، بل إن شعورهم بذلك العلو جعل البعض منهم يُعظم الفلاسفة دون الناس، فكان الفيلسوف يحتل الرتبة الثانية بعد الإله أو العقل المدبر، ثم جاء من بعدهم أرسطو وأفلاطون وديكارت، فكان تجاوزهم أعلى وأسمى من سابقيهم، فقالوا كائن عاقل، ورغم ذلك العلو والسمو والبحث الذي يعد من فطرة الإنسان وتركيبته، وهو كما قلنا إثباتا من الإنسان أنه متجاوز لطبيعته مفعول عليها فاعل فيها، إلا أنه يجب أن نعرف أن جاذبية الإنسان إلى الأسفل أعلى وأقوى من جاذبيته إلى علوه، فالأولى كما يقول المسيري تعمل مع الإنسان ضد جاذبية العلو، والسقوط في الوحل أسهل من الصعود إلى النجوم.
ظلت المعضلة التي تواجه الفلسفة الغربية في سعيها نحو الإجابة على الأسئلة السابقة، هي أنها مثل ما تعاملت مع الطبيعة وفق منهجيات مُعقلنة حسية وتجريبية، أردت أيضاً أن تتعامل مع ذلك التجاوز والعلو بالنفس الدرجة من العقلنة والتجريبية، والتجريبية هي في أصلها فعل أرضي، يصعب عليه أن يفسر ما هو متعالٍ شعوري، وإلا لما سُمي علواً وتجاوزاً، وبما أن ذلك الشعور تنطبق عليه نفس الأدوات التي نتعامل بها مع الطبيعة، فما ذاك بتجاوز، وإذا ما سعت أي فلسفة نحو تفسير العلو والتجاوز بنفس الأدوات التي تحلل بها الطبيعة من حولها، فهي في نهاية المطاف سوف تصل إلى الشكل الأفقي الذي أشرنا إليه سلفاً، المزيد من الانحناء نحو الأقدام، والشعور بالخلود.
كان اللاهوت الطبيعي بمثابة الشباك التي تنتهي إليه جُلّ محاولات العلو والتجاوز الغربي، ما يلبث ذلك التجاوز أن يسقط في الحسي المنهجي، والعلو لا يعرف هذه اللغة، إذ هو لغة لا أرضية، تبدأ من الأقدام الموحلة في الأرض وتنتهي في السماء الصافية الفسيحة.
وكما يقول محمد إقبال: "مطمح الدين يسمو فوق مطلب الفلسفة، فالفلسفة نظرٌ عقلي في الأشياء، وهي بوصفها هذا لا يهمها أن تذهب إلى أبعد من تصوير يستطيع أن يردَ كل ما للتجربة من صور خصبة إلى نظام أو منهج، ثم يقول: الفلسفة نظريات، والدين تجربة حية، وينبغي على الفكر لكي يحقق العلو أن يسمو فوق ذاته"، ويقول عزمي بشارة: الفلسفة تعالج الغايات، والدين ينشدها، ونحن نعلق على هذا القول بالتالي: بما أن الفلسفة معالجة الغايات فقد أُشغل العلم بالبحث عن العلاج في التجريبي والحسي، متناسيا بذلك نشود الغايات كإيمان، وهي الداء والدواء الذي لم ولن تكتشفه التجريبية بأدواتها المتاحة.
---------------------------------------------------------
يتأفقن: من أفق
المؤنسن: من إنسان، أي الإنسان المادي.
أظهر الكل ..كتب المسيري كتابه عن نهاية التاريخ بذات الاسم (نهاية التاريخ)، ثم كتب من بعده فرانسيس فوكوياما كتابا بنفس الاسم (نهاية التاريخ)، ثم جاء كتاب المسيري لاحقاً الفردوس الأرضي والعلمانيتين الشاملة والجزئية، قدم المسيري في هذه السلسلة صورا مجازية ونماذجا تفسيرية عديدة، وضح من خلالها سردية النمذجة المادية التي بدأت مع فلاسفة ما قبل النازية، مروراً بالنازية التي حولت تلك الفلسفة إلى واقع عملي، ثم الامبريالية والفاشية والاستعمارية والاستطيانية والنفعية، حتى بلغت تلك النمذجة المادية مقتبل العمر في هيئت ...
كتب المسيري كتابه عن نهاية التاريخ بذات الاسم (نهاية التاريخ)، ثم كتب من بعده فرانسيس فوكوياما كتابا بنفس الاسم (نهاية التاريخ)، ثم جاء كتاب المسيري لاحقاً الفردوس الأرضي والعلمانيتين الشاملة والجزئية، قدم المسيري في هذه السلسلة صورا مجازية ونماذجا تفسيرية عديدة، وضح من خلالها سردية النمذجة المادية التي بدأت مع فلاسفة ما قبل النازية، مروراً بالنازية التي حولت تلك الفلسفة إلى واقع عملي، ثم الامبريالية والفاشية والاستعمارية والاستطيانية والنفعية، حتى بلغت تلك النمذجة المادية مقتبل العمر في هيئتها الأمريكية الحالية.
ما كتبه المسيري لا يقل أهمية عما كتبه كبار الفلاسفة عن التاريخ والعلمنة، بل أن بعض كتاباته فاقت وجارت ما كتبه كبار الفلاسفة، أمثال زيغمونت بومان وسبونزا، وسواهم الكثير، وللمسيري مناظرات معهم تكلم عنها في مذكراته، لكن وكما قال المسيري: هناك هزيمة نفسية كبيرة تعرض لها المثقف العربي، ولذا لا يقبل الفلسفة والفكر إلا من الغرب، حتى أن المسيري في رحلته الفكرية، يتكلم عن كتابه نهاية التاريخ وكيف لم يتم التفاعل معه، حتى جاء كتاب فوكوياما ناهية التاريخ، وكيف لقي الكتاب تفاعل كبير من قبل المثقفين العرب، مع أن المسيري قال بأفكار سبق بها فوكوياما. ولكن هي الهزيمة النفسية وعقدة النقص والهيمنة الثقافية.
كنت قد قرأت للمسيري نهاية التاريخ والفردوس الأرضي منذ وقت قريب، كان المسيري يورد عشرات الشواهد التي تؤيد حتمية النمذجة التي تمضي نحوها سردية نهاية التاريخ وموت الإلة، يستعرض الكثير من الأدب الغربي ويغوص في معانيه، والرجل طبعا متخصص في الأدب الغربي، وقد كانت رسالتيه الماجستير والدكتوراه عن ذلك، يستعرض كذلك الكثير من المسرحيات والأفلام والدراما والفن والشواهد والوقائع والسُعارالإستهلاكي والإنتاجي، الرجل يتكلم عن هذه الأحداث في الستينيات، وكيف أن غايتها حلول الإله في التاريخ ومن ثم قتل التاريخ، والذي يعني قتل الإله نفسه.
كنت قد شاهدت الكثير من المسلسلات والأفلام الغربية، والحقيقية أنني أينما ذاهبت في تلك الدراما، أجد المسيري معي في كل مشهد، وكأن الرجل قد غاص في أعماق الفلسفة الغربية وعرف كنتها وحقيقتها، حتى أن مشاهدتي للأفلام والدراما الغربية لم تعد مقتصرة على المشاهدة والتفاعل مع الحركة والصوت والإثارة بسذاجة، بل أنها أصبحت لدي مقدرة على فهم الإطار العام لما أشاهده، وماهي الفلسفة التي يقدمها الفلم، وتحت أي نموذج يتكلم نص، وبت أجرد ما أشاهد إلى صور مجازية صغيرة، تصبح مُكونه لنموذجا تفسيريا معينا.
بالأمس كنت قد أنهيت المسلسل الألماني (The dark) في موسمه الثاني، والذي بدأ إنتاجه في العام 2018 م، حينما أنهيت مشاهدة الموسم الثاني من المسلسل، وجدت نفسي أنني بحاجة إلى إعادة قراءة ما كتبه المسيري مرة آخرى، ما قدمه الرجل شيء كبير جدا، للآسف لم يحظى ما كتبه الرجل باهتمام كبير، فمثل فكر المسيري ومالك بن نبي من السهل أن يموت ولا يلقى له رواج، فهو في المقام الأول فكر عميق جداً، الأمر الثاني لا يجد القارئ المعلوماتي ما يشبع جوعه في فكرهما، فما يقدمانه فلسفة لم تجد بعد من ينثر دررها.
بعد أن أنهيت مشاهدة المسلسل الألمان، وجدت المسلسل يندرج تحت صورة مجازية تكلم عنها المسيري (نهاية التاريخ)،شخصية آدم قائد جماعة (هكذا خُلق العالم) التي تحاول إحلال الإله في التاريخ ومن ثم قتل التاريخ، بينما يقف نوح ويونس محاولين إيقافه قبل أن يعيد تشكيل العالم من جديد.
لفت إنتباهي نص حواري بين آدم في العام 2020م وشخصيته التي تحاول إيقافه والتي تعيش في العام 2019 يدور الحوار التالي:
آدم: في المستقبل هناك نبوءة عن العالم جديد.
إن جماعتنا (هكذا خلق العالم) ستقود العالم إلى الفردوس.
شخصيته الأخرى: يعني ديانة جديدة؟
آدم: نحن النقيض من ذلك، لقد أعلنا الحرب على الزمان، أعلنا الحرب على الرب، إننا نخلق عالما جديدا، من دون زمن، أي من دون تاريخ، ومن دون رب.
شخصيته الآخرى: ماذا يعني ذلك؟
آدم: يعني أن ما عبده الناس طوال الآف السنين ليس الرب الذي يبقي كل شيء متماسكا، ذلك أن الرب ليس سوى الزمان نفسه، ليس كيانا يفكر ويتصرف. إنه قانون فيزيائي لا يستطيع التغلب عليه كما لا يستطيع التغلب على القدره، الرب هو الزمن، والزمن ليس رحيما. إننا نولد وحياتنا تتسلل بالفعل كالرمل داخل الساعة الرملية. الموت يبقى دائما أمامنا، قدرنا ليس سوى سلسلة من الأسباب والنتائج.
وهكذا لي قصة مع كل فلم أشاهده.
أظهر الكل ..كنا في السابق نستخدم اللغة بشكل مختلف عما هو اليوم، كانت هي الحياة بشكلها الواقعي، من خلالها يعرف الفرد أنه كائن ذو وجود وذو حيز يؤثر ويتأثر في الطبيعة والتاريخ، كانت اللغة هي الذاكرة والتاريخ والإنسان العابر والمتجاوز للزمان والمكان،فإذا ما سافرنا من بلد إلى آخر تفصل بينهما المسافات الطويلة كنا نطوي تلك المسافة باللغة وكأن اللغة أصبحت وحدة قياسية ذات موجات كهرولغوية تقرب البعيد وتطوي الزمن بين ألفاظها، نتداول القصص والأخبار، يتعارف الناس فيما بينهم، فما تلبث أن تصل وجهتك وكأن الزمكان إندمجا ...
كنا في السابق نستخدم اللغة بشكل مختلف عما هو اليوم، كانت هي الحياة بشكلها الواقعي، من خلالها يعرف الفرد أنه كائن ذو وجود وذو حيز يؤثر ويتأثر في الطبيعة والتاريخ، كانت اللغة هي الذاكرة والتاريخ والإنسان العابر والمتجاوز للزمان والمكان،فإذا ما سافرنا من بلد إلى آخر تفصل بينهما المسافات الطويلة كنا نطوي تلك المسافة باللغة وكأن اللغة أصبحت وحدة قياسية ذات موجات كهرولغوية تقرب البعيد وتطوي الزمن بين ألفاظها، نتداول القصص والأخبار، يتعارف الناس فيما بينهم، فما تلبث أن تصل وجهتك وكأن الزمكان إندمجا في اللغة فصارت هي من تحملنا.
في ذات مرة سافرت براً من مدينة بونا في الهند حتى مدينة بنجلور، وهي مسافة كبيرة جداً قرابة 17 ساعة، رغم الأقاليم التي قطعناها والوديان والجبال والمناظر الخلابة، إلا أنني كنت كاليتيم، كانت كل ساعة تمر علي كما ولو أنها يوما بأكلمه، والسبب أن اللغة اختفت، الجميع يتكلم اللغة الهندية، كنت إذا سافرت من صنعاء إلى البيضاء أبحث عن راكب بجواري لا يمضغ القات، لأن الذي يخزن لا يتكلم كثيراً، وإذا لم يحالفني الحظ، فأعاني كثيراً فيبدأ ألم الأرجل والظهر والتثائب والدوار، فما أصل البيت إلا وكأن السفر اجتزأ شيئاً مني.
اليوم تكاد تتلاشى اللغة تماما، لتحل محلها اللغة الرقمية الصامتة، أركب في الباصات والقطارات فلا أسمع كلمة، سوى (excuse me) عفوا من فضلك، الجميع منشغلٌ بالجوال، لا لغة تتحرك، لا حياة، لا إنسان، تصل إلى عملك الجميع منهمك ٌ بجهاز الحاسوب، تخرج إلى السوق الغالب يضع السماعات على أذنيه، أينما ذهبت لا تجد اللغة، وإن وجدتها في الجامعات أو المدارس فلغة مقننة هناك شخص يتكلم والبقية يستمع، لغة أكاديمية ضيقة خالية من روحها لا تجد فيها حياة.
قبل أسبوع ركبت مع سائق تاكسي فسألته وكنت قد بدأت أكسر الصمت الذي حاول أن يختلقه بوضعه للسماعة على أذنيه بنقاش يدورحول موضوع اللغة، فقلت له : إلى أين تتجه اللغة على هذا الوضع؟ فكان جوابه: تخيل أنني لم أعد أتكلم مع عائلتي إلا القليل جدا والنادر، فقلت له لماذا؟ قال لدينا جروب واتساب للعائلة، والوقت الذي نعود فيه إلى البيت متفاوت، لا نأتي في وقت واحد، فيكتفي السلام بيننا عبر إشارة باليد، أو رسالة على مجموعة الواتساب، ثم يذهب كلٌ منا إلى غرفته يتصفح الجوال، وفي الصباح كذلك أوقات ذهابنا متفاوته فلا نلتقي حتى المساء وهكذا.
رشدت التكنولوجيا اللغة بشكل مهول وحلت محلها، فأصبحت هي الذاكرة وهي التاريخ، وكأنها نموذجٌ حتميٌ لأن تكون هي الحياة والتاريخ، أصبح الإنسان إذا ما أرد أن يعبر عن مشاعره، يسأل جوجل عن الأشعار والكلمات الجميلة لكي يستطيع أن يعبر بها، فمقدرته على التعبير أصبحت مُعطبة جافة، صار الإنسان إذا ما أخطأ في كلمة أعطته التكنولوجيا الكلمة المناسبة، وهذا توليد تكنولوجي يسعى ليحل محل توليد العقل للغة، وإذا ما أراد المعلومة ذهب إلى التكنولوجيا ليسألها حاجته، وإذا ما أراد قواعد اللغة وجد أن التكنولوجيا خبيرة بها أحسن منه، فلم يعد الإنسان هو الإنسان الذي يولد اللغة، ولا الذي يحكم عن طريقها يتميزعن الآلة، بل أصبحت اليوم هي من تحكمه وتسيره، وتجعل منه شيء مثلها تماماً.
ولكي تلمس كمية الترشيد التي أصابت اللغة اليوم، انظر إلى ما يكتب في الصحف والمجلات والكتب والأبحاث، لغة خالية من المعنى من التركيب، تسابق محموم نحو اللغة المفككة نحو المعلومات المتناثرة التي لا يجمعها جامع، ولا يعرف القارئ ماذا يريد الكاتب، سوى أنه أورد جملة من المعلومات يمكن الحصول عليها عبر الإنترنت، انظر إلى الباحث يعكف على جوجل شهر، فيكمل رسالة الماستر أو الدكتوراه دون إعمال للعقل، لأن ما جمعة كمية معلومات حشرها بين دفتي البحث ورمى بها في المكتبة لتكون ديكورا يكمل به فراغات رفوف المكتبة.
منذ ما يقارب ثمانية أشهر وأنا أراقب أحد الاطفال في السكن الذي أسكن فيه، أراه عند طلوعي وعند نزولي، طفل توحي صورته بالفطنة والذكاء إلا أنني لم أسمع له صوت طيلة هذه المدة، وفي الغالب يُنكس برأسه إلى الأسفل، لا ينظر حتى في وجهي، وأقول في نفسي دائما، الشيء الوحيد الذي يجعل مثل هذا الطفل بهذه الحالة هو استخدام التابلت أو الجوال بشكل مفرط ودون ترشيد عائلي، وفعلاً قبل أمس جاء مع أمه لزيارة زوجتي، فوجدته على التابلت يشاهد أفلام الكرتون والألعاب لساعات طويلة.
حتى القراء في الآونة الأخيرة طالهم الترشيد للغة، فالقارئ مهما قرأ من الكتب وهو لا يمارس ما قرأ في سياق اللغة فما يفعله هو نوعاً من الترشيد للغة، صحيح أن القراءة ربما شكلت لديه أفكارا ، لكن الشجرة التي لا تشم الهواء تذبل أوراقها وتموت، والأفكار التي لا تعيش مع اللغة فتحركها وتتحرك بها هي أفكار ذابلة ميتة لا تأتي بشيء ولا تغير شيء.
ختاماً:
في ظل التقدم التكنولوجي المحموم الذي لا يقوم على مركزية أخلاقية أو إنسانية أو تاريخية، وإنما مركزيته التقدم الذي لا نعرف إلى أين سيمضي، وفي ظل انعدام المعايير التي تراعي الإنسان ككيان مستقل عن الطبيعة، إذ لا معايير سوى المزيد من الاستهلاك والإنتاج والقوة، في ظل ذلك ربما جاء يوم لا يحتاج الفرد منا لأن يتكلم، وليس بحاجة إلى أن يستخدم اللغة، فاللغة الرقمية تحل محل كل شيء، وتشذيب وتقليم اللغة يحصل يوما بعد يوم، والاعتماد على اللغة العامية يعتبر من وسائل الترشيد، حتى إذا ما أصبحت هي اللغة المتداولة أصبحت عاجزة على أن تلبي للإنسان احتياجاته اللغوية، فهي لغة عامية لا تحكمها قواعد أو جذور لغوية، كما أن من الوسائل التي تصب في مصلحة الترشيد ما تتعرض له اللغة الأم على حساب اللغة الأجنية، فغالبية كبيرة من الأسر اليوم خصوصا في بلاد المهجر باتت تفضل لابنائها اللغة الإنجليزية على حساب اللغة الأم، وهذا بدوره يبدأ (يحوسل) الطفل نحو الترشيد أكثر فأكثر.
أظهر الكل ..لفتت إنتباهي علامة مكتوب عليها الأكثر مبيعاً على أحد الكتب، فوجدت الكتاب للمؤلف جهاد الترباني، مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ، نظرت في شخصيات الكتاب وما الرابط بينها، فوجدت أن 95% منها هي شخصيات عسكرية، غالبية منها يفتتح الكاتب الكلام عنهم، برسالة من السلطان فلان إلى فلان الرومي، او إلى الكافر الفلاني، "بيننا وبينكم السيف" وهكذا بعبارات مشابهة، والكثير من تلك الشخصيات لا تعرف كيف غيروا مجرى التاريخ، ذكر المؤلف من بينهم "لابو لابو" أحد رؤوسا الفلبين، إذا اكتفى المؤلف بصفحتين تختص ...
لفتت إنتباهي علامة مكتوب عليها الأكثر مبيعاً على أحد الكتب، فوجدت الكتاب للمؤلف جهاد الترباني، مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ، نظرت في شخصيات الكتاب وما الرابط بينها، فوجدت أن 95% منها هي شخصيات عسكرية، غالبية منها يفتتح الكاتب الكلام عنهم، برسالة من السلطان فلان إلى فلان الرومي، او إلى الكافر الفلاني، "بيننا وبينكم السيف" وهكذا بعبارات مشابهة، والكثير من تلك الشخصيات لا تعرف كيف غيروا مجرى التاريخ، ذكر المؤلف من بينهم "لابو لابو" أحد رؤوسا الفلبين، إذا اكتفى المؤلف بصفحتين تختصر كيف غير مجرى التاريخ، برسالة إلى القس ماجلان "اللص" حسب تعبير المؤلف، والأمثلة كثيرة مما لا نعرفهم من شخصيات الكتاب.
الكتاب يُعطي القارئ شحنة كبيرة من العاطفة، حشد كبير من المعلومات التي تُلهب القلب، يتركك المؤلف بعد أن تُكمل الكتاب إما مجلوداً للذات خاوي الخيال، إذ لا إبداع فيما جاء به المؤلف سوى جمع المعلومات وسرد صفحتين لكل شخصية، أو يتركك كخازن معلومات لا أكثر ولا أقل.
نظرت في الكتاب هل سأجد شخصيات أدبية أو فكرية أو فلسفية، فلم أجد أحداً، يبدو أن الكاتب تعمد أن يختار شخصيات، ثم من بين الأفعال التي قاموا بها أختار الأفعال التي تُلهب الحماس في القلوب، كالأعمال العسكرية، والرسائل الرنانة، واستبعد ما من شأنه أن يستحضر العقل، إذ أن أي عمل يُخاطب العقل لا يحصل على الرواج والشهرة كما يحصل عليها الخطاب الذي يدغدغ المشاعر والعواطف.
بحثت في الكتاب هل سأجد على سبيل المثال لا الحصر، ابن خلدون صاحب علم الاجتماع أو ابن رشد شارح فلسفة أرسطو أو ابن الهيثم صاحب علم البصريات، ومثلهم كثر، لكن الكاتب رأى أن الهنود الحمر أولى بالذكر لما غيروا حسب قوله في مجرى التاريخ أكثر مما فعله هؤلاء.
نظرت في الجزئية التي أوردها المؤلف عن الهنود الحمر وكيف سيوضح للقارئ أنهم مسلمين، قال المؤلف أن شيخ من البربر المرابطين قطع المحيط الاطلسي هو ومجموعة من الرجال إلى شمال البرازيل وهناك نشروا الإسلام بل وأسسوا مدن تتبع حكم المرابطين في افريقيا، ولا زالت هناك مدن في البرازيل باسم مراكش وتلمسان، يذكر المؤلف هذه المعلومة دون أن يورد مصدر لها، ثم يقول أن هناك اتفاقية في متحف التاريخ الأمريكي موقعة بين الهنود الحمر المسلمين والرحال كروستوفر، مذلل توقيعها باسم محمد، إذا كانت تأسست مدن في البرايل في القرن الخامس، فأين ابن خلدون ابن تونس من ذكرها، وأين ابن الأثير وأين البداية والنهاية من كل ذلك.
يحتوي الكتاب على معلومات مغلوطة وغير دقيقة، ولا توجد لها مراجع، كم تمنيت لو أن المؤلف اقتصر على شخصية واحدة من بين المائة، فدرسها من كل النواحي وبرهن لنا دورها في تغيير مجرى التاريخ، لكن الكاتب أحب حشر المعلومات لمعرفتها أن قطاعا كبيرا من الناس تحب الحشو والمعلوماتية.
اتخيل فقط كيف لو يترجم الكتاب إلى الإنجليزية????♂️
أظهر الكل ..يحقق العالم طفرات اقتصادية نحو ترشيد الاستهلاك، بما يخدم رفع كفاءة الإنتاجية واستمرارها، إلا أنه يُخفق حينما يكون ذلك الترشيد على حساب الحياة الاجتماعية للفرد والمجتمعات، الأمر الذي يدفع نحو تنميط الحياة وتقويض الاستقلال.
وأنا أتأمل الجوال المحمول على سبيل المثال للترشيد والتنميط، كانت علاقاتنا الأسرية حافلة بالحضور المستمر، لا يكاد يمر عليك يوم دون أن ترى كل وجوه العائلة، تتبادل معهم الكلام والضحك والفرح، تجمعكم أصغر المناسبات، يعمنا أثر الضرر إذا ما حصل شيء في غضون دقائق، فنتفاعل معه ...
يحقق العالم طفرات اقتصادية نحو ترشيد الاستهلاك، بما يخدم رفع كفاءة الإنتاجية واستمرارها، إلا أنه يُخفق حينما يكون ذلك الترشيد على حساب الحياة الاجتماعية للفرد والمجتمعات، الأمر الذي يدفع نحو تنميط الحياة وتقويض الاستقلال.
وأنا أتأمل الجوال المحمول على سبيل المثال للترشيد والتنميط، كانت علاقاتنا الأسرية حافلة بالحضور المستمر، لا يكاد يمر عليك يوم دون أن ترى كل وجوه العائلة، تتبادل معهم الكلام والضحك والفرح، تجمعكم أصغر المناسبات، يعمنا أثر الضرر إذا ما حصل شيء في غضون دقائق، فنتفاعل معه كجسد واحد.
كنا إذا حصل عُرس لأحد الأصدقاء في القُرى المجاورة التي تبعد أحياناً قرابة 3 إلى 4 كيلومتر عن بعضها، يأتي الشباب مشياً على الأقدام لكي يحيوا هذه المناسبة، فتجد كل قرية لها مُمثل في هذه المناسبة من عموم قُرى المديرية، فتعم الفرحة المديرية كُبنية واحدة متماسكة، وهكذا في الأتراح نحزن جميعاً.
كان الأصدقاء تجمعهم الأسمار، والمثقفين تجمعهم صوالين الأدب، وطلاب المدارس والجامعات تجمهم المذاكرة سوية، كان الموظف ينسى عمله تماماً بعد أن يُكمل مهامه، ولا يلحق به العمل إلى البيت، والمغترب ينسى الغربة حتى يعود إليها، كان المغتربون في التسعينات قبل أن يصل الجوال والتلفون الثابت، يرسلوا تحاياهم وسلامهم عبر شريط مسجل بصوت المغترب، فلا نسمعه حتى يلتم كل أفراد العائلة حول المُسجل، فيبدأ بالتحية لكل فرد بالإسم، فنفرحُ إذا ما سمعنا أسمائنا ، فتنتابنا موجة فرح وسعادة لا توصف، مما يُسهل علينا حالة الفقد التي يعيشها أفراد العائلة جراء إغتراب الأب.
اليوم إذا سمعت عُرس في نفس القرية تكتفي بإرسال تهنئة على الواتساب، إذا مات قريب لصديقك تكتفي بإرسال تعزية منسوخة، يتداولها الجميع بشكل مُقزز، ومثيلاتها تُعمم في المناسبات والأفراح والأتراح والأعياد ويوم الجمعة الخ....
اليوم مجموعة في الواتساب كفيلة بأن تعمل فيها اجتماع تناقش فيها الأفكار، يلتقي فيها الأصحاب، يُذاكر فيها طلاب المدرسة، بل أن هناك مدارس باتت تُسمع للطلاب وتختبرهم عبر مجموعات واتساب يُضم فيها الآباء والطلاب والمدرسين. اليوم طلاب الدفعة تضمهم مجموعة، أبناء القرية يكتفون بمجموعة، الهيئات المؤسسات التجماعات وهلم جر.
في السابق كان المغترب يضطر لأن يشحن رصيد الجوال لكي يتصل لأقاربه وأهله، فيحس أن العناء وراء بذل المال والإتصال مقابل سماع أفراد العائلة الواحد تلو الآخر، يواسيه في غربته ويعزز لديه قيمة التراحم، ويجعل روابط العائلة فوق المال، اليوم بات اتصاله مُرشد حسب تواجد الإنترنت، وبات على كل الأقرباء أن يكون لديهم إنترنت، وجوال محمول، ما لم فلا لوم عليه إذا لم يتصل، كونهم لا يمتلكون إنترنت، وإذا توفر الإنترنت فرسالة مذللة بالورد والأشكال المقززة التي ربما لا يفتحها المتلقي.
كانت الرسالة التي تأتيني في الأعياد قبل أن تأتي الجوالات الحديثة، تبعث في نفسي الفرح، إذ كنت أعلم أن المُرسل تكلف في شحن رصيد الجوال، وقد خصني من بين جملة كبيرة من الأصدقاء، فكنت أعُد نهاية العيد الرسائل التي وصلتني، فأشعر بقيمة الود والقرب لمن خصوني بالتهنئة، أم اليوم فتأتيني مئات الرسائل على الواتساب المتشابهة والمنسوخة، والأناشيد والفيديوهات، التي اضطر أن أعمل لها نهاية العيد تحديد الكل كمقروء، ثم مسح الدرشات، من أجل مساحة التخزين في الجوال.
مع أننا نقر بأن الجوال سهل على الإنسان أشياءكثيرة، وفتح له نافذة يطل من خلالها على العالم والعلم، وسهل له الكثير من الأعمال، إلا أن كل ذلك كان على حساب جملة كبيرة من القيم الإنسانية والروابط الاجتماعية، إذ سعى نحو الحد من الاستقلالية الفردية، واكتحام الحياة الخاصة للفرد وتفكيكها، وتنميطها وتحجيم تفاعلها بمن حولها في المجتمع.
أصاب بالذهول حينما أركب وسائل النقل، كل راكبيها مدنيين الرؤوس فوق جوالاتهم، لا تكاد تسمع صوت، لا تواصل، لا فعل للإنسان في تلك اللحظات ينم عن إنسانيته، اللغة تموت فلا تسمع سوى صوت الآلات تخبرنا عن المحطة القادمة.
يقولون في علم الاجتماع، الإنسان كائن اجتماعي، لا وجود له خارج شبكة العلاقات الاجتماع التي تحيط به.
أظهر الكل ..في تجربة حية وعملية قمت بها مع صديقي يوم أمس، ذهبنا لشراء قهوة من أحد الكافيهات، وكالعادة أقتسم الكأس بيني وبينه، تقدم صديقي وطلب كأس إضافي فارغ لكي نقتسم القهوة، وكان العامل أحد وافدي دول جنوب آسيا، كان تعامل صديقي رسمي، كون طلب كأس إضافي متاح للجميع، إلا أن صيغة الطلب كان فيه نوع من الدونية للطرف الآخر، بما يوحي أن هناك فوارق بين العامل والمشتري، كانت ردة فعل العامل سلبية في المقابل، لا يوجد كأس إضافي، وإذا تريد أدفع فارق السعر، غضب صديقي وحمر وخضر إثر ذلك الر ...
في تجربة حية وعملية قمت بها مع صديقي يوم أمس، ذهبنا لشراء قهوة من أحد الكافيهات، وكالعادة أقتسم الكأس بيني وبينه، تقدم صديقي وطلب كأس إضافي فارغ لكي نقتسم القهوة، وكان العامل أحد وافدي دول جنوب آسيا، كان تعامل صديقي رسمي، كون طلب كأس إضافي متاح للجميع، إلا أن صيغة الطلب كان فيه نوع من الدونية للطرف الآخر، بما يوحي أن هناك فوارق بين العامل والمشتري، كانت ردة فعل العامل سلبية في المقابل، لا يوجد كأس إضافي، وإذا تريد أدفع فارق السعر، غضب صديقي وحمر وخضر إثر ذلك الرد، عموماً خرجنا من الكافي بكأس واحد فقط.
في صباح اليوم قلت لصديقي سنمر على ذات الكافي، ولكن أريد منك أن تستخدم ذات اللغة وذات المفردات، ولكن بنوع لطيف من التعامل، على خلاف ما حصل يوم أمس، لنرى ما هي النتيجة التي سنخرج بها، طلبنا الكافي وأخذنا كأس إضافي فارغ، جعلت صديقي من يتقدم للحساب، بادر صديقي العامل بقوله "كيف حالك" أراك اليوم مبتسم، رد العامل بلطف وحسن تعامل دون أي مشاكل، عموما خرجنا من الكافي بالكأسين، دون زعل، بل بجملة ختم بها العامل "نراكم في وقت لاحق".
يقول الشاعر لعربي:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جُعل اللسان على الفؤاد دليلا
اكتناف الألفاظ دون مشاعر تسعى لتقارب وترابط الأجواء الثقافية فيما بينها، بمفردات جافة خالية من الإيحاءات والإيماءات، دون تعويض ما تفقده اللغة أثناء سفرها من ثقافة إلى آخرى ، لا يكفي لأن يحقق للأفراد والمجتمعات بل والحضارات التواصل المرجو فيما بينهم، إذ أن اللغة لا تكتفي لأن تحتوي على اللفظ والمعنى فقط، إذ لم يخالط ذلك اللفظ والمعنى شعور وتفاعل إنساني، يسعى لتقريب وجهات النظر، ويعزز اللفظ بلغة المشاعر، حتى على مستوى اللغة الواحدة لذات العرقية الواحدة.
في الستينات كان يُقال: ضعف الترجمة بين الشرق والغرب هو من أهم العوامل التي أنتجت كمية العداء الذي دار في العالم قبل ذلك وبعده، بينما نرى اليوم أن دور الترجمة ومراكز البحث قلصت مسافات كبيرة، وانتشرت اللغات على نطاق واسع، حتى تكاد اللغة الإنجليزية تكون اللغة التي يتشارك العالم من خلالها المعارف والحوارات والنقاشات، ومع ذلك لا زالت نسبة اللبس والخلافات في فهم وجهات النظر تتسم بذات الكيفية، إذ لم تتسع أكثر مع كمية المصطلحات الجديدة التي تفرزها العلوم والمعارف والنظريات والدراسات، بما يعني مزيد من الالتباس والجفاء الثقافي بين اللغات.
يقول القرآن في التوجيه الرباني الذي أُمر به موسى إلى فرعون (وقولا له قولاً لينا) مع الأخذ بعين الاعتبار ما إذا كانت اللغة التي يتكلم بها موسى غير اللغة التي كان يتكلم بها فرعون مصر في ذلك الزمن، اللين في اللفظ لا يعني ارتخاء الصوت، او نطقه بطريقة معينة، بل يعني اختيار المدلول اللفظي المناسب، الذي من شأنه شد انتباه الآخر واستمالة عواطفه للفهم والتعاطي بإيجابية.
ما يعزز هذه النظرة ما تُعاني منه دور الترجمة اليوم، في نقل كثير من المعارف والفكر الغربي والشرقي، بصورة أدق تتضح تلك الرؤية في نقل الأدب من لغة إلى آخرى، إذ يعيش الأدب عمليات قيصرية كثيرة، تنتهي ببتر الجمال الأدبي الذي كان في هيئته الأولى، ليصبح نصاً خاوياً من الأدب والترابط اللغوي، الذي يوصل الجمال الفني، الذي كان يقصده الأديب، إذ لا يعني ذلك أن المشكلة كانت في اختيار اللفظ المناسب، بل المشكلة هي في نقل مشاعر الأديب التي سكبها في لغة النص، وصعوبة تحويلها إلى اللغة المراد ترجمة النص إليه، كذلك الأمر مع الحوار بين الأفراد والمجتمعات، لا يكفي أن تتعلم مفردات لغة ما، بل شعور اللغة وذاتها وكيانها، يجب أن تصاحب تلك المفردات، وإلا فما لديك لا يعد كونه أكثر من قاموس، يشبه إلى حدٍ ما القواميس الالكترونية.
اللغة وحدها لا تكفي الفرد والمجتمع، إذا لم تعش اللغة مع روحها وكيانها، عندها يمكن للمجتمعات أن تفهم بعضها، وللحضارات أن تلتقي وتتلاقح الأفكار فيما بينها.
أظهر الكل ..إذا لم تركب الباصات العامة المكتضة بالناس، وتزاحم على أبواب القطارات في الصباح باحثا عن موطئ قدم بين الزحام، فأنت لم تزر المدينة.
إذا لم تجلس بجوار عجوز أكل الدهر أسنانها، تعج منها رائحة الدنيا، تبتسم لك، فترى في قسمات وجهها كل تاريخ الأرض، فأنت لا تعرف سكان المدينة.
إذا لم تمشي في الأسواق الشعبية، وتتنفس رائحة المأكولات الرخيصة، وتتذوق بعضا منها، فأنت لا تعرف طعام المدينة.
إذا لم تمشي حتى تخذ قدميك تحت حرارة الشمس، وغزارة المطر، ولفحة البرد، بين الأزقة، والأرصفة المتسخة، تح ...
إذا لم تركب الباصات العامة المكتضة بالناس، وتزاحم على أبواب القطارات في الصباح باحثا عن موطئ قدم بين الزحام، فأنت لم تزر المدينة.
إذا لم تجلس بجوار عجوز أكل الدهر أسنانها، تعج منها رائحة الدنيا، تبتسم لك، فترى في قسمات وجهها كل تاريخ الأرض، فأنت لا تعرف سكان المدينة.
إذا لم تمشي في الأسواق الشعبية، وتتنفس رائحة المأكولات الرخيصة، وتتذوق بعضا منها، فأنت لا تعرف طعام المدينة.
إذا لم تمشي حتى تخذ قدميك تحت حرارة الشمس، وغزارة المطر، ولفحة البرد، بين الأزقة، والأرصفة المتسخة، تحت الجسور، وبين الأشجار والظلام، فأنت لا تعرف شوارع المدينة.
إذا لم تشتم رائحة الأشجار بعد هطول المطر، وتتلمس سيقانها الباسقة، وتتأمل أعشاش الطيور في أعاليها، وتقطف بعضا من أوراقها فتشمها، فأنت لا تستنشق هواء المدينة.
إذا لم تشم العطور الفائحة بشتى أنواعها المحلية والأجنبية في مقصورة القطار، التي تعج بالنساء، فأنت لا تعرف جمال نساء المدينة.
إذا لم ينهرك سائق الباص، ويوقفك شرطي السير، وينعتك مواطن البلد، بالدخيل والغريب، فأنت لا تعرف طباع الناس في المدينة.
إذا لم تُخرج كتابك وتزور أحد متنزهات المدينة، وتشرب الشاي، وتفترش الأرض، فبالتأكيد أنت لا تعرف من المدينة سوى المكان الذي تنام فيه.
أظهر الكل ..قبل فترة وبعد إكمالي لرواية موت صغير لعلوان، وهي من الروايات التي تشعرني بالجمال والفن، قلت في نفسي ما كُتب بديع جداً، لكن ألا تُعد الرواية مجموعة من الأساطير التي وضعت بحبكة أدبية فريدة حول ابن العربي، قلت حينها مندفعاً لو أن الرواية قيلت في ابن رشد، بحكم أن ابن العربي وابن رشد عاشا في ذات الحقبة الزمنية، وكون فلسفة ابن رشد قدمت أكثر مما قدمته صوفية ابن العربي، طُرح حينها سؤال برأسي، يا ترى لماذا ابن العربي وليس ابن رشد؟
طبعا طرح هذا سؤال على أساس أن المؤلف يعي من هو ابن رشد، وهو حقا ي ...
قبل فترة وبعد إكمالي لرواية موت صغير لعلوان، وهي من الروايات التي تشعرني بالجمال والفن، قلت في نفسي ما كُتب بديع جداً، لكن ألا تُعد الرواية مجموعة من الأساطير التي وضعت بحبكة أدبية فريدة حول ابن العربي، قلت حينها مندفعاً لو أن الرواية قيلت في ابن رشد، بحكم أن ابن العربي وابن رشد عاشا في ذات الحقبة الزمنية، وكون فلسفة ابن رشد قدمت أكثر مما قدمته صوفية ابن العربي، طُرح حينها سؤال برأسي، يا ترى لماذا ابن العربي وليس ابن رشد؟
طبعا طرح هذا سؤال على أساس أن المؤلف يعي من هو ابن رشد، وهو حقا يعي ذلك، وقد تطرق لتلك الأهمية في روايته.
مع الأيام وفي خضم قراءات متفرقة هنا وهناك، وقعت بيدي عبارة لطيفة وعميقة، نسفت ذلك التساؤل بالكامل، مفادها:
"لا يمكن تصور الأدب من دون ميثولوجيا"
سواءً أكانت الميثولوجيا أسطورة مكوّنة أو أسطورة كونها الأديب في مخيلته.
ثم أعقب ذلك القول، قول آخر مشابا له، يقول:
" المعنى التخيلي هو مكوّن جوهري في الرؤية الأدبية، وعقلنة مجالات مثل الفن والأدب، يفقدها خصوصيتها التي تتمثل على نحو يجعل منها فنّاً أو أدباً، لينزع منها الفن والجمال"
بعد ذلك عرفت لما ابن العربي وليس ابن رشد، إذ كان من الصعب على الراوي أن يأتي برواية شبيهة بموت صغير حول شخصية ابن رشد بذات الأسلوب الأدبي، لكن من السهل عليه حبكها حول شخصية ابن العربي، إذا لا تنفع مع ابن رشد كون ما جاء به فلسفة لها علاقة بالعقلنة والمنطق، وما جاء به ابن العربي شيء من التصوف والغنوص الذي يسهل معه صياغة حبكة فنية تتداخل بها الأساطير، كما رأيناها في رائعة علوان "موت صغير".
لو أن الرواية تناولت ابن رشد، لجاءت بأسلوب أدبي مغاير تماما، وربما ليس بروعة موت صغير
أظهر الكل ..موتٌ صغير
وكما قال الجابري:
بأن امرئ القيس وعمرو بن كلثوم وعنترة ولبيد والنابغة وزهير بن أبي سلمى.... وابن عباس وعلي بن ابي طالب ومالك وسيبويه والشافعي وابن حنبل .... والجاحظ والمبرد والأصمعي... والأشعري والغزالي والجنيد وابن تيمية... ومن قبله الطبري والمسعودي وابن الأثير ... والفارابي وابن سينا زابن رشد وابن خلدون .... ومن بعد هؤلاء جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا والعقاد .. والقائمة تطول.. لا زال هؤلاء من يديرون خشبة مسرح الثقافة العربية، لم يتغير شيء في بنيتها وعقلها الفاعل.
وكما قال الجابري:
بأن امرئ القيس وعمرو بن كلثوم وعنترة ولبيد والنابغة وزهير بن أبي سلمى.... وابن عباس وعلي بن ابي طالب ومالك وسيبويه والشافعي وابن حنبل .... والجاحظ والمبرد والأصمعي... والأشعري والغزالي والجنيد وابن تيمية... ومن قبله الطبري والمسعودي وابن الأثير ... والفارابي وابن سينا زابن رشد وابن خلدون .... ومن بعد هؤلاء جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا والعقاد .. والقائمة تطول.. لا زال هؤلاء من يديرون خشبة مسرح الثقافة العربية، لم يتغير شيء في بنيتها وعقلها الفاعل.
أظهر الكل ..